كيف نتعرف على الفصل الأول من تاريخنا الحضارى؟

«زيارة جديدة لتاريخ لمصر القديمة»

فى عقدى الثمانينيات والتسعينيات، من القرن الماضى، صدرت مجموعة من الكتب المعتبرة التى تتناول التراث الفكرى للحضارة المصرية القديمة فيما يشبه إعادة الاعتبار للكتابات التى تتناول حضارتنا المصرية العريقة. تقاسم هذا الجهد، فيما أذكر، من جهة أولى، هيئة الآثار المصرية، آنذاك، من خلال سلسلة عنوانها: نحو وعى حضارى معاصر أو سلسلة الثقافة الأثرية المصرية (مشروع المائة كتاب). ومن جهة ثانية، دار الفكر، التى كان يشرف عليها الكاتب والمناضل الراحل الدكتور طاهر عبدالحكيم (صاحب المؤلف التأسيسى: الشخصية الوطنية المصرية).

ومن جهة ثالثة، المشروع القومى للترجمة... فبعد انقطاع ممتد عن الموجة المبكرة التى عُنيت بعلم المصريات- الموجة التى تعود لمطلع القرن العشرين- يأتى جهد الثمانينيات والتسعينيات (الأهلية والحكومية) ليؤسس لزيارة جديدة لهذا العلم من خلال مقاربات جديدة تتناوله من زوايا عدة تخوض فى أعماق الحضارة المصرية القديمة.

(2)

«مصر القديمة: الناس والحياة والطبيعة»

جاءت موجة كتابات التسعينيات لتفتح آفاقا لفهم أكثر اتساعا وعمقا للحضارة المصرية القديمة يتجاوز تاريخ الحكام وتسلسلهم المتعاقب فى حكم مصر ومغامراتهم، والمعلومات الكمية عن عدد الأسرات، وعالم كهنة الفراعين، وحواديت القصور وأساطير الحياة المصرية فى الأزمنة السحيقة... حيث أولت هذه الكتابات اهتماما تحليليا تفصيليا: بطبيعة الحياة الاقتصادية، وبتركيبة الدولة وأجهزتها وكيفية تشغيلها، وبكيفية إدارة النهر، ونمط الإنتاج، وبترويض الطبيعة، وبعلاقات مصر بمحيطها وما هو أبعد من هذا المحيط، وبالحياة اليومية للناس وعلاقاتهم الاجتماعية، وتطور الفنون والآداب والعمارة، وسياقات هذا التطور، كذلك أثر العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على الناس، ومنظومة القيم الحاكمة للناس فى حياتهم اليومية، والعلاقة الوثيقة بين تطور العقائد والوقائع الاجتماعية والسياسية التى مرت بالمصريين على مدى تاريخ مصر القديمة... والأهم هو الكشف عن مدى ما بين مصر القديمة الفرعونية وبين مصر الحديثة من صلات تعكس ما أطلقنا عليه «استمرارية حضارية» تشكل هوية مصرية دائمة الصقل والتجدد...الخلاصة نجحت موجة كتابات عقدى الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين فى تأسيس زخم مبدع جديد للحضارة المصرية القديمة كحضارة حية... فى هذا السياق نذكر العناوين التالية: أولا: من إصدارات هيئة الآثار: الديانة المصرية القديمة، وتاريخ مصر القديمة، وفن الرسم عند قدماء المصريين، والعمارة المصرية القديمة.

وثانيا: من إصدارات دار الفكر: موسوعة الفراعنة وتتضمن الأسماء والأماكن والموضوعات، وتاريخ مصر القديمة، ونصوصا مقدسة ونصوصا دنيوية من مصر القديمة (التراث الأدبى الشامل بأجناسه المتنوعة)، والآلهة والناس فى مصر، علم المصريات، الأدب المصرى القديم، ماعت ومصر الفرعونية وفكرة العدالة الاجتماعية... وثالثا: من إصدارات المشروع القومى للترجمة: حضارة مصر الفرعونية، وشامبليون رائد علم المصريات الفرنسى، ونصوص كتاب الموتى- البالغة الرقى والسمو لغة ومعنى- أو ما يعرف بنص الخروج فى النهار، ومجلدات أثينا السوداء، والتراث المسروق... تعد هذه النصوص- وغيرها- من أهم التجليات الإبداعية لجيل من علماء المصريات والمؤرخين المجددين مثل: جان لا كوتير، وفرانسا دوما، وإيان سميث، وكلير لالوليت، ودومينيك فالبيل، وباسكال فيرنوس، وجان يويوت، ونيقولا جريمال، وجان فيركوتير، ومارتن برنال، وجورج جيمس... إلخ.

(3)

«مشروع قومى لتجديد الذاكرة الوطنية»

إن محصلة الزخم الإبداعى للتنقيب الفكرى والاجتماعى والاقتصادى والسياسى والثقافى والفنى والأدبى للحضارة المصرية القديمة لابد من تعريفه للمصريين- بصورة أو أخرى- من خلال شتى الوسائط ليس من منطلق عنصرى أو شوفينى وإنما من منطلق حضارى مركب... إن تجديد الذاكرة القومية المصرية بمضمون الفصل التأسيسى من فصول الحضارة المصرية المتواصلة المترابطة عبر الناس- المصريين- على مدى الأزمنة... فلقد ساهم هذا المضمون فى الاستمرارية الحضارية لمصر والمصريين انطلاقا من فكرتين أساسيتين يقوم عليهما هذا المضمون هما: أولا: بزوغ شمس الحضارة من مصر أو بحسب النص المصرى القديم: ميلاد الشمس المظفر من جديد كل يوم. وثانيا: جريان نهر النيل أو بحسب النص المصرى القديم: الميلاد المتجدد للنهر المظفر، وبفضلهما استمد المصريون الإيمان بأن مصرهم هى مركز الكون- ولما لا أليست أم الدنيا- وأن الحياة المجددة تنتصر دوما على الموت... نواصل.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern