أحلام فترة العزلة: أحلام بالألوان..

«يا لها من عوالم بديعة وشقية»؛

أحلامنا الواعية هذه المرة عشتها مع ثلاثة من رواد الرسم فى العالم، هم: رامبرانت (1606 ــ 1669)، وفان جوخ (1853 ــ 1890)، وبيكاسو (1881 ــ 1973)... ليس من خلال أعمالهم الفنية والجديد الذى استحدثوه فى هذا المقام، وإنما من خلال سيرهم الذاتية، وذلك كما يلى: أولًا: «يوميات رامبرانت»؛ ترجمة ياسين طه حافظ (206 صفحات) ــ دار المدى 2016. وثانيًا: «المخلص دوما فنسنت: الجواهر من رسائل فان جوخ»؛ ترجمة ياسر عبداللطيف ومحمد مجدى (1300 صفحة) ــ دار كتب خان 2017. وثالثًا: «حياتى مع بيكاسو»؛ ترجمة مى مُظفر (360 صفحة) ــ المؤسسة العربية للنشر 2000.. وتعكس قراءة ما عبر عنه هؤلاء المبدعون أو ما كتب عنهم كيف كانت عوالمهم «ملحمية»، تتنازعها العملية الإبداعية من جهة والشقاء الحياتى من جهة أخرى..

وكأن الشقاء لابد أن يكون ملازمًا للإبداع... فجاءت إبداعاتهم بمثابة فصول جديدة إلى كتاب الفن من حيث تناول الموضوعات والصنعة والتمرد على القديم والالتزام بقضايا الإنسان والمجتمع... فلقد كانت أعمال الفنانين الثلاثة نقاط تحول فى تاريخ الفن كما كانت انعكاسًا للتحولات التاريخية الكبرى التى حلت بالإنسانية... ما جعلهم موضوعًا للاحتفاء الدائم باعتبارهم جزءًا من تاريخ الإبداع فى العالم... رامبرانت فى القرن السابع عشر، وفان جوخ فى القرن التاسع عشر، وبيكاسو فى القرن العشرين...

(2)

«عوالم إبداعية فى كلمات»؛

فى «يوميات رامبرانت»، التى كتبها أحد الباحثين الفنيين متخيلًا لو أن «رامبرانت» كتب يومياته لمدة سنة من سنوات عمره الأخيرة، ماذا يمكن أن يقول فى ضوء دراسته لحياته... نقرأ فى كلمات اليوم الأول من اليوميات المؤرخة بالأول من يناير 1661 ما يلى: «وهكذا، أمامى سنة أخرى جديدة. من يدرى ما ستأتى به هذه السنة لى ولمن أحب؟»... و«مهما يكن لن أتوق إلى الماضى... وإن كنت كثيرًا ما أفكر فيه... فأنا أتدفأ بوهجه مثل كلب عجوز يستريح قريبًا من النار، والذى تنتابه غمرات من أنات ونشيج ليهزه من بعد حلم غامض بديع ينبثق من شعل اللهيب حوله والتواءات الدخان القاتم. ومثله فى نومه أنام وتجرى ذاكرتى فى ممرات استذكار البهجة بينما تحك أصابعى الممتلئة أسطح الأشياء بفرشاة الأصباغ، بمزاجة الألوان أو بسكين الحك: آملًا بالوصول إلى روح الإنسان وبعدها إلى قبس من نور الله. فأنا، وكل هذا يدور فى رأسى، لست نائمًا»... كلمات تلخص حياة رامبرانت الذى أجمع مؤرخو الفن على أنه استطاع أن «يؤنسن الفن» ــ بحسب «إبراهيم العريس»ــ حيث غذّاه بمواضيع تنبع من الحياة اليومية: إبداعا، والتقاطا للحظات الحياة وزينتها من لون وضوء وظل من خلال لوحات خالدة، مثل: درس التشريح، ورؤساء النقابة،...إلخ... أما عن «فان جوخ» الذى تراوحت حياته الأليمة ونهايته الحزينة بين «التعثر والمثابرة»، لذا لم «يكن يجلس للعمل إلا بعد تأن طويل: لأن ما هو عظيم لا يحدث من الاندفاع وحده، بل هو تتابع لأمور صغيرة تجتمع معًا». فتسلح بقوة الإرادة والعمل الشاق. وكان واعيًا بأن الفن لا يكون حقيقيًا إلا إذا كان ممتعًا للبشر... وحول «بيكاسو» فنجد صديقته تكتب سيرته بوجهيها الفنى والإنسانى وتخلص إلى أنه كان: «عبقريًا متقلب المزاج. شكّاك وملول فصيح اللسان. شديد القلق، وهو رجل لم يتوقف عن محاربة الزمن والأعراف التقليدية، ولم يتوقف عن الإبداع رافعًا شعار «علينا ألا نخاف من الابتكار»؛ فتعددت مجالات إبداعاته كما يلى: لوحات زيتية ومنحوتات خشبية وحجرية ورسوم ومحفورات مائية وكشط على نحاس. وتعددت أساليب فنه التى تم اعتبارها إضافة لتاريخ الفن... والأهم هو أنه رغم حياته الشخصية المُلتبسة إلا أنه كان متسقًا مع نفسه فيما يتعلق بالقضايا العامة ومناهضًا بفنه العنف والاستبداد والحروب...

(3)

«قصة الفن: قصتنا»؛

وبعد، إن الغوص فى حياة هؤلاء الفنانين وفيما أنجزوه لا يعد معرفة بتاريخ الفن فقط، وإنما بإعادة اكتشاف للتاريخ الإنسانى... فما قصة الفن والفنانين المبدعين ــ بحسب خلاصة «إرنست جومبرتش» فى موسوعته التى تحمل نفس العنوان ــ إلا قصتنا نحن بما تتضمن أحلامًا وطموحات... حيث الدهشة الفنية تدفعنا إلى التفكير والتأمل ومن ثم التجدد والتغير...

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern