من رأسمالية المساهمين إلى رأسمالية أصحاب المصلحة
جاء لقاء منتدى دافوس الاقتصادى العالمى فى دورته الخمسين يحمل تحولا لافتا/ حاسما من حيث طرحه ــ عبر مؤسس المنتدى الاقتصادى «كلاوس شاوب» ــ لضرورة تجديد النظام الاقتصادى العالمى، وذلك بالانتقال من رأسمالية المساهمين «Shareholders Capitalism»؛ إلى ما أطلق عليه: رأسمالية أصحاب المصلحة «Stakeholders Capitalism»؛ وذلك من خلال كلمته الافتتاحية لأعمال المنتدى الذى التأم فى نهاية يناير الماضى عبر أحد التطبيقات الرقمية التواصلية. وهى الفكرة التى فصلها فى كتابه الذى تزامن صدوره مع فعاليات المنتدى وحمل العنوان التالى:
«رأسمالية أصحاب المصلحة.. اقتصاد عالمى يعمل من أجل التقدم، والناس، والكوكب». حيث أعطى أولوية كبيرة لمستقبل كل من: الكوكب «Planet» والناس «People»؛ من حيث التأكيد على علاقة المصير المشترك بينهما.. وأن أى عملية اقتصادية يجب أن تراعى الخير العام وتراعى المواءمة بين مصالح أصحاب رأس المال وبين الكوكب ومواطنيه. ومن خلال متابعتنا لفعاليات دافوس ــ عن بُعد ــ خلال السنوات الماضية أستطيع القول إننا أمام تحول جذرى أقره الحاضرون من نخبة العالم الرأسمالى (يستحق نقاشا موسعا). بالطبع كانت الأزمة المزدوجة حاضرة بقوة، وأقصد بها: تداعيات الجائحة الفيروسية، وإخفاقات الرأسمالية الجائرة؛ فى ثنايا نقاشات المنتدى التى انطلقت من تقرير ــ غاية فى الأهمية لمقاربته المركبة للحظة التاريخية التى تعيشها البشرية خاصة الشباب ــ عنوانه «المخاطر الكونية فى 2021»، (يتضمن التقرير مقدمة وخمسة فصول وخلاصات ومرفقات فى 100 صفحة).
(2)
جيل شباب ألفية الجائحة
يقارب التقرير شباب الألفية الجديدة أو من دأبت الأدبيات على وصفهم بجيل «الميللينيالز» «Millennials»؛ وهو جيل يتسم بملامح تختلف جذريا عن ملامح الشباب فى الأجيال الأسبق (أشرنا إليه فى مقال مبكر بعنوان «الزلزال الشبابى» ــ 2017، ومؤخرا فى مقال «جيل زد»).. حيث يقوم هذا الجيل على نموذج حياتى مغاير «Dissimilar Paradigm»؛ لما يعرفه العالم، مؤسس على الرقمنة فى كل مناحى الحياة. فى هذا الإطار يقر التقرير أن هذا الجيل الذى يقع بين 15 و24 سنة، ويمثل ما يقرب من 50% من إجمالى سكان العالم، قد تعرض لأزمتين كارثيتين خلال عقد من الزمان هما، أولا: الأزمة المالية الأسوأ فى تاريخ البشرية، وثانيا: الوباء الفيروسى الأخطر منذ أجيال.. ومن هنا أبدع التقرير فى صياغة المصطلح التالى لوصف الوضع القاسى لجيل شباب الألفية هو: «Pandemials»؛ أو ما يمكن الاجتهاد فى تعريبه بالآتى: شباب ألفية الجائحة، أو جيل/ شباب زمن الجائحة.
(3)
زمن الفرصة الضائعة
دون أى مقدمات يعلن التقرير أن زمن «البانديميالز»، أو زمن شباب ألفية الجائحة، هو زمن الفرصة الضائعة.. لماذا؟. بداية لأن هؤلاء الشباب عليهم مواجهة التحديات الثلاثة على الآماد القصيرة والمتوسطة والطويلة، وتتمثل فى الآتى: أولا: تدهورات بيئية، وثانيا: تزايد متسارع للامساواة على كل الأصعدة: الاقتصادية، والجندرية، والعرقية، والطبقية سيترتب عليها أزمات معيشية، وثالثا: انتشار درجات متنوعة من العنف، ورابعا: نزاعات اجتماعية، وخامسا: ارتباكات على المستويين العقلى والنفسى، وسادسا: إخفاقات فى التعاطى مع المسألة المناخية، إضافة إلى تفشى الأمراض المُعدية، وسابعا: انهيارات للبنية التحتية للتكنولوجيات المعلوماتية والرقمية والبيولوجية والفيزيقية، وثامنا: الاستئثار بالموارد الطبيعية على أساس جغرافى/ سياسى، وتاسعا: انفجار فقاعة الثروة، وعاشرا: تصدعات بنيوية متعددة ومتوازية للمؤسسات والمجتمعات، والدول ما يؤدى إلى صراعات مسلحة بين الدول، وأخيرا: بطالة حادة نظرا لأفضلية استخدام الآلة على الإنسان أو ما يعرف «بالأتمتة» نتيجة الثورة الصناعية الرابعة والظروف الاقتصادية البائسة، إضافة إلى غلق المؤسسات التعليمية التى ستفاقم من اللامساواة بين المجتمعات المختلفة وفى إطار المجتمع الواحد، خاصة أن 30 من شباب زمن الجائحة من إجمالى سكان العالم يعانون من نقص التكنولوجيا التى تمكنهم من التعليم عبر تقنيات التواصل الرقمى، ما سيحصر فرص العمل ــ عمليا ــ فى المتميزين.. ما سيؤدى بكتلة معتبرة من «شباب زمن الجائحة» إلى طريق مسدود بلا فرص.
والسؤال: هل يعنى ما سبق أن الحلم بمستقبل أفضل بات مستعصيا؟.. نجيب بأن العقل الإنسانى يجتهد فى جعل الأحلام ممكنة.
نواصل قراءتنا لتقرير دافوس، ولتقرير منظمة العمل الدولية وغيرهما.. وأظن أن الأمر جدير بالنقاش الجدى.