أحلام فترة العزلة (23): «انهضوا وحققوا أحلامكم»

«السينما/ الشعر في مواجهة الغلق»

من الأفلام التي أُنتجت في سنة العزلة الأولى 2020: فيلم «الغلق»، الذي بدأ عرضه مطلع هذا العام. وقامت ببطولته الممثلة الشابة «آن هاثاواى» وشاركها البطولة «شيويتيل إجيفور». وبالرغم من أنه لم ينل استحسانا نقديا من قبل صفحات المتابعة النقدية المعتبرة، مثل مجلة الجارديان الأسبوعية البريطانية وصحيفة النيويورك تايمز الأمريكية وغيرهما، إلا أننى بعد أن شاهدته مرتين في الأسبوعين الماضيين وجدته يستحق التأمل قليلا. فلقد عومل نقديا بمعايير الفترات الطبيعية وليس بمعايير فترة العزلة.. وقد يكون السؤال وهل هناك اختلاف؟.. في ظنى نعم.. فمشاهدته الأولى وضعتنى- قسرا- في صف هؤلاء الذين لم يستحسنوه، وفق قواعد النقد الفنى الصارمة.. ولكنى ظللت ليلة كاملة أشعر بأن هناك ما يدفعنى للتعاطف مع الفيلم إجمالا.. فعدت أشاهده بمعايير فترة العزلة لأكتشف سر التعاطف.. 

داية، الزوجان كانا ساخطين على حياتهما قبل العزلة ولكن لأسباب مختلفة.. الزوجة بفعل الحياة النمطية بالرغم من عملها المتميز في أحد أهم متاجر لندن أحد رموز الحياة الاستهلاكية.. أما الزوج فلقد كان يقرض الشاعر ولكنه لا يستطيع العمل بسبب تهمة قديمة دفعته لأن يغير اسمه.. ويمضى الفيلم في نصفه الأول مع إعلان الغلق التام في إنجلترا يجسم الحالة النفسية التي أوجدها الغلق الذي فاجأهما وكشف السخط بوضوح على مجتمع تسوده قيم السوق لا روح فيه.. ونقطة التحول في الفيلم عندما استطاع أحدهم (بن كينجسلى بطل غاندى) أن يوفر للبطل اسما بديلا كى يتمكن من العمل.. وكان هذا الاسم هو «إدجار آلان بو» الشاعر والأديب الأمريكى الشهير (1809- 1849) والذى، بالرغم من أنه عُرف بأنه من مؤسسى الأدب البوليسى، إلا أن هناك من يعتبره أحد مؤسسى نظريات الحداثة في الشعر التي تتفق على أن الشعر أفكار حالمة في حاجة إلى أن تتجسد فعلا.. ما ألهم بطل الفيلم في منتصف الليل- وبالرغم من الغلق- ليوقظ أهل شارعه: «شعرا»...

(2)

«استرداد ما تدين به الحياة لنا»

انهضوا من أجل العدالة والحياة المُبهجة، واقتنصوا حقوقكم...

وأسسوا لترتيبات جديدة من أجل فرصة حياة أخرى حرة وممتعة

فاقتحموا وأقبضوا على الحياة والأرض...

بكلمات للشاعر الإنجليزى «د. هـ. لورانس (1885- 1930) خاطب البطل أهل شارعه يحثهم على النهوض لتحقيق أحلامهم.. وما إن أنهى القصيدة حتى وجد الجيران يصفقون له من وراء النوافذ وشجعوه على تكرار فعلته الشعرية.. فرح الشاعر الساخط لأول مرة في الفيلم وقال لجيرانه: «أنه يعتذر لهم إذا كان قد أزعجهم ولكن الغلق كاد يفقده عقله.. أما الآن فإننى سعيد بتصفيقكم.. ونصيحتى لكم أن تستفيدوا من هذه الأوقات الغريبة التي نمر بها جميعا- دون تمييز- كى نستعيد كل ما تدين به الحياة لنا».. وهنا حدث التحول في مسار الفيلم حيث تتغير حياة البطلين وبغض النظر عن الكيفية إلا أن ما أراده المخرج المهم «دوج ليمان» هو أن الشعر قد ولد الحيوية والحركة والإثارة في حياة البطلين والأهم الفعل- وهو ما انعكس على إيقاع الفيلم في نصفه الثانى- بالرغم من الغلق إلا أن الحلم قد جدد القدرة على الفعل...

(3)

«لا مفر من الحلم شريطة العمل على تحقيقه»

إنه الشعر، يا سادة، «الفرح المُخَتلَس»، بحسب الدكتور جابر عصفور في «عوالم شعرية معاصرة- 2012»، «الذى يسرقنا من ورطات الدنيا، كى يتباعد بنا عنها لنعود إليها، ونحن أكثر وعيا، وأكثر قدرة على المواجهة»...ومهما كانت «متاهة الأحلام بعيدة» كما يقول الأديب الأرجنتينى «بورخيس» (1899- 1986)، فلنكن واثقين من تحقيقه تماما ودوما... فلقد عاش «بورخيس» على الحياة بوصفها حُلما (عنوان نص بديع للكاتب خالد بلقاسم نشر في فبراير الماضى)... متذكرا ما تمناه له أحد شعراء الأرجنتين الذي يكبره شعرا ووجهه لأمه نص على ما يلى:

«عسى ابنك، (بورخيس)، الذي هو مفخرة لك،

وشرع منذ الآن يشعر بحنين إلى إكليل غار يوضع فوق هامته...

أن يمضى على جناح الحلم متعقبا قطاف بشارة جديدة...»...

أو كما تقول «أندريه شديد»: ليس الشعر تلاشيا، بل حضور فاعل لأحلام تراودنا...

ونتابع أحلامنا الواعية.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern