السحر والظرف الهائل, بهذه الكلمات وصفت دورية النيو يوركر الأمريكية الثقافية الشاملة الممثل الفرنسى الأسمر عمر ساى (43 عاما)، (عدد هذا الأسبوع) لتجسيده دور أرسين لوبين الشخصية الأدبية الشهيرة المعروفة باللص الظريف، أو الشهم أو الجنتلمان، التى أبدعها الكاتب الفرنسى موريس لوبلان .
يعتبر تاريخ عمر ساى السينمائى قصيرا ولكنه تميز بأدوار وازنة. منها دوره فى فيلم المنبوذون عام 2011، وسامبا(2014)، وحديقة الديناصورات (2015)، والأمير المفقود (2020)،...،إلخ، وحصل ورشح لجائزة سيزار التى يعتبرها البعض المعادل الأوروبى للأوسكار كذلك لجائزة الفيلم الأوروبى... إلا أن ميلاده الحقيقى جاء مع بطولته لمسلسل: لوبين الذى انطلق الجزء الأول منه مطلع عام 2021 الذى أنتجته المنصة الرقمية الدرامية العالمية نتفليكس (جار عرض الجزء الثاني) حيث منحه تجسيد دور اللص الظريف أرسين لوبين شهرة شعبية, خاصة فى أوساط الشباب ممن ينتمون لجيل زد الذى يعتبر مرجعيته: محركات البحث الرقمية، ومنصات البث الإلكترونية...وتشير الأرقام كيف أن الحلقات الخمس الأولى من الموسم الأول لمسلسل لوبين قد حققت نسبة مشاهدة تتجاوز الـ 100 مليون مواطن.. ما جعل مسلسل لوبين أحد أعلى ثلاثة مسلسلات أنتجتها منصة نتفليكس للبث الإلكترونى مشاهدة... كما احتل المركز الأول فى المشاهدة على منصة البث الرقمية نتفليكس فى نحو 10 دول وتفسر لنا النيويوركر عبر نصها التشريحى العميق والبديع لبروفيل عمر ساى عن ظاهرتين هما: أولا: نجاح مسلسل لوبين وسر سحر عمر ساى. وثانيا: النجاح المتنامى للدراما المُنتجة عبر منصات البث الإلكترونى والإقبال الشبابى فى المقام الأول ــ عليها...
أولا: فيما يتعلق بنجاح المسلسل وسر جاذبية وعذوبة عمر ساي؛ فلقد أجمع النقاد والمشاهدة المليونية العابرة للقارات على أن عمر ساى قد قدم طبعة معاصرة لأرسين لوبين اللص الظريف/الشريف الذى يتسم بثقافة ومعرفة علمية ومهارات بدنية وقدرات الكترونية رقمية يقوم بتوظيفها فى الثأر من الأثرياء فى زمن العولمة المالية فى القرن الحادى والعشرين الذين جنوا ثروات طائلة بطرق غير مشروعة ما نتج عنه كثرة من المنبوذين وسياق مجتمعى مختل يغيب عنه العدل...ومن ثم صار أرسين لوبين الراهن بطلا شعبيا حداثيا ومعاصرا يستخدم التقنيات الحديثة فى محاولة تحقيق العدالة لهؤلاء المنبوذين... إنه البطل الرقمى إن جاز التعبير ــ الذى ينتمى للناس البسطاء ويعمل من أجلهم... بلغة أخرى هو الاستنساخ الرقمى لروبين هود فى التراث الغربى وعلى الزيبق فى التراث العربى... هو البطل المعنى بتحقيق العدالة المؤسسية والبنيوية وتأمين المواطنة بمعناها الدولتى الحديث للناس وكشف عورات النظم/السياسات العالمية الحالية التى أوصلت البشرية إلى اللامساواة التاريخية. وفى هذا السياق، يجد المتابع لمسيرة عمر ساى الفنية والشخصية تطابقا بين دوره فى لوبين ـ تجاوزا ــ وحياته الشخصية بانحيازه للضعفاء. فهو ناشط بالكلمة والفعل فى الحركة المدنية الأمريكية فى السنوات الأخيرة. وشارك فى مسيرات الربيع الماضى التى خرجت احتجاجا على اغتيال جورج فلويد تحت شعار لا أستطيع التنفس...
ثانيا: أما عن النجاح المتنامى للدراما التى تنتجها منصات البث الرقمية؛ فيمكن القول إنها الآلية التقنية المعتمدة فى الزمن الرقمى للتعبير عن الحياة المعاصرة ما بعد ــ ما بعد ـ حداثية... وتعكس هذه المنصات حقيقة أن نموذجا إنتاجيا وثقافيا جديدا ذات تمويل مهول (أو براديم انتاجى وثقافى جديد بحسب دراسة صدرت مؤخرا عن منصات التمويل الهائل المعولمة ــ 2020) قد حلت محل كيانات الإنتاج القديمة فى هوليود وبوليود وغيرهما. فلقد خلقت هذه المنصات علاقة مباشرة مع مشاهديها خاصة من جيل الشباب(50% من إجمالى سكان الكوكب) الذى ولد فى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة واصطلح على تسميته بجيل زد الذى أسس نموذجا حياتيا مغايرا عن كل ما عرفته الأجيال السابقة عليه مجتمعة...ومن ثم جاءت الدراما لتعبر عن حياة هذا الجيل المختلف كليا...دراما متمردة على الشروط الهوليودية التاريخية...ومنتجة لأعمال تطرح رؤى غير نمطية ونقدية للعالم وللعلاقات وللمجتمع وللمؤسسات... وذلك من خلال أعمال تتسم: أولا: بخطوط درامية مركبة ومتشابكة ذات معالجة متعددة الأبعاد، وثانيا: بتوظيف التقنيات التكنولوجية المتجددة ــ دوما ــ لتفتح عوالم جديدة تمزج بين الخيال والواقع (مسلسل مجتمع الـ 3%)، والحاضر والمستقبل (القائمة)، والإبهار والمضمون (مسلسل مناورة الملكة، والقائمة السوداء)، والفكر والفانتازيا (مسلسل شارلوك هولمز)، والتاريخية: (مسلسلات: بيكى بلايندرز والتاج، وفرويد،)، وذات المضمون المعاصر (مسلسلا: دعاوى قضائية، وإيميلى فى باريس)،.. وثالثا: بألا تكون مفارقة للواقع أو خادعة أو تجميلية أو زائفة... ورابعا: بالوصول إلى كل مواطنى الكوكب...إذن، سر نجاح لوبين وانتشار منصات البث الإلكترونية هو: الجيل الرقمى.