دافوس 2021.. ورأسمالية أصحاب المصلحة

فى يوبيله الخمسين؛ انطلقت أعمال منتدى دافوس الاقتصادى، ــ افتراضيا بسبب الجائحة الفيروسية ــ فى الأسبوع الأخير من يناير الماضى تحت شعار: عام حاسم لإعادة بناء الثقة، من أجل إنقاذ الكوكب... وقد انتهجت النقاشات منهجا يبدأ بطرح أسئلة جادة وجديدة تهدف إلى الوصول إلى إجابات مبتكرة لاكتشاف مسار جديد يؤسس لبناء نظام اقتصادى عالمى أكثر استقرارا يراعى جميع أطراف العملية الاقتصادية، ويعمل على حماية البيئة وتحقيق الإنصاف بين المواطنين وذلك تحت 7 محاور وهى أولا: كيف ننقذ الكوكب؟ ثانيا: اقتصادات مُنصفة. ثالثا: التكنولوجيا من أجل الخير العام. رابعا: المجتمع ومستقبل العمل. خامسا: نحو قطاع أعمال أفضل. سادسا: نحو مستقبلات تعنى بالرعاية الصحية. سابعا: ما وراء الجغرافيا السياسية.

 

ولعل من أهم ما ميز نقاشات المشاركين، عبر تقنيات التواصل الرقمى، من شخصيات مرموقة سياسية، حالية وسابقة، واقتصادية وفاعلين مدنيين وممثلين لمؤسسات متنوعة، هو أخذهم فى الاعتبار ما كشفت عنه الجائحة الفيروسية من أعطاب عميقة فى بنية الاقتصاد العالمى تراكمت على مدى عقود...فلقد كشفت تداعيات الجائحة ضرورة التعاطى الحاسم مع هذه الاختلالات التى جارت على الكوكب من حيث: أولا: تعميق اللامساواة بين مواطنيه، وثانيا: انضاب ثرواته واتلاف مقدراته وإنهاك بيئته، للحد الذى من شأنه أن يؤدى إلى تدميره...ومن ثم لا مفر من تطوير النظام الاقتصادى العالمى...

فى هذا المقام، أقر كلاوس شواب (مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمي) فى أطروحة استهلالية بأن النظام الاقتصادى الراهن معطوب. ونادى بضرورة تأسيس اقتصاد سليم يراعى الاستدامة والشمولية والإنصاف...وهو أمر لن يتسنى لنا بلوغه مالم نوسع دائرة الشراكة الاقتصادية بين أصحاب المصلحة الحقيقية وعدم اقتصار العملية الاقتصادية على المساهمين الماليين فقط...ما يعنى ضرورة الانتقال من:

رأسمالية المساهمين إلى ما أطلق عليه: رأسمالية أصحاب المصلحة وحول هذه الفكرة أصدر كلاوس شواب كتابا فى أثناء فاعليات المنتدى يحمل العنوان التالى: رأسمالية أصحاب المصلحة: اقتصاد عالمى يعمل من أجل التقدم، والناس، والكوكب...ساهم فى توجيه النقاشات إضافة إلى تقرير غاية فى الأهمية والجرأة والصراحة عن المخاطر الكونية فى 2021 رسم صورة دقيقة للواقع الكوكبى الراهن...ينطلق الكتاب من فكرة تقول إن رأسمالية المساهمين الماليين قد أودت بالعالم إلى مسار غير مستدام.ومن ثم لا يمكن الاستمرار فى تطبيق نظام اقتصادى حكمته قيم أنانية، وقصر النظر، وتعظيم المكسب ــ السريع ــ للقلة على حساب الأغلبية والخير العام البيئى والكوكبى، وتجنب الضرائب، ومقاومة أى تدخلات تهدف إلى تنظيم العملية الاقتصادية والمالية، والأخطر الحط من نضارة البيئة والتسبب فى إحداث أضرار جسيمة فى بنيتها الطبيعية. من هنا لابد من التوجه نحو ابتكار صياغة جديدة لرأسمالية توازن بين مصالحها ومصالح المواطنين والكوكب. ورأسمالية أصحاب المصلحة؛عند شواب، هى صياغة مبتكرة لرأسمالية تُعنى فيها مؤسساتها الاقتصادية المتنوعة على العمل بمسئولية والتزام وإبداع قيم يأخذ فى الاعتبارالكوكب: الأفراد والمجتمعات. فهؤلاء المواطنون/ الأفراد سيصبحون بمنطق الحياة المشتركة والمصير الواحد: أصحاب مصلحة؛ بما يعود عليهم وعلى المجتمع بالخير العميم...ومن ثم يتم تجاوز رأسمالية المساهمين التى تقتصر على المساهمين الماليين فقط...إنه تحول نوعى من نظام يتمركز حول مصلحة مفردة/فردية إلى نظام يراعى مصالح المجتمع/الدولة بعناصرها...لذا يعتبر شواب نموذج رأسمالية أصحاب المصالح نظاما أكثر تعقيدا من رأسمالية المساهم/المساهمين أو ما يعرف برأسمالية الدولة...

إذن، نموذج رأسمالية أصحاب المصلحة؛ يتمحور حول ثنائية مترابطة بين: الكوكب والناس/المجتمع... الناس ــ فى هذا السياق ــ جميعهم ــ دون استثناء/تمييز ــ يصيرون أصحاب مصلحة...وعلى المنشأة الاقتصادية أن تعظم كل جهدها فى ضمان الشراكة بين أصحاب المصلحة الذين يعددهم شواب كما يلى: المُلاك، والعاملون المنتجون، والمستهلكون، والمقرضون، والموردون، الاقتصاد المُنتج، الدولة؛ حيث يعملون معا لتحقيق عوائد قادرة على تطوير المجتمعات/المواطنين،وحماية الكوكب، وتحقيق الرخاء للجميع من خلال تنمية مستدامة شاملة مرنة مُنصفة...ويحدد شواب ثلاثة تحديات لابد من مواجهتها بشكل عاجل موجودة من قبل الجائحة وتفاقمت بعدها هى: أولا: التفاوت المتنامى للدخل فى كل أرجاء العالم، خاصة مع التراجع الملحوظ فى الإنتاجية ومن ثم الأجور. ثانيا: الآثار السلبية للاحتكارات السوقية فى مختلف الصناعات وما ترتب على ذلك من تباطؤ للنمو، وتقليل العوائد المتوقعة الابتكارية والإنتاجية، وتزايد مطرد للمديونية العامة. ثالثا: الاستغلال قصير النظر للموارد والثروات الطبيعية، الأمر الذى ساهم فى تآكل البيئة وفاقم من سوء أحوال كثير من البشر. خلصت النقاشات، لأمرين هما: أولا:حراجة اللحظة التاريخية التى تعيشها البشرية وبخاصة الكتلة الشبابية الكوكبية. ثانيا: استعراض التصدعات البنيوية التى لحقت بكل المنظومات: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، والتى من شأنها تأجيج التفكيك على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية...ومن ثم ضرورة الانشغال بالتأسيس لنهج اقتصادى جديد لا يتجاوز فقط التداعيات المؤلمة للجائحة الفيروسية، وإنما تجاوز الآثار السلبية للرأسمالية الجائرة.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern