(1)
«الملكة إليزابيث الثانية: دراما تاريخية بديعة وثرية»
قدمت منصة «نتفليكس» الرقمية، فى العام 2016، مسلسلا بعنوان «التاج» عن حياة ملكة إنجلترا إليزابيث الثانية (94 عاما).
وهو المسلسل الذى استمر لأربعة أعوام أو أربعة مواسم بلغة المنصات الرقمية المنتجة للمسلسلات (40 حلقة) مستعرضا قصة حياة الملكة الأطول حكما فى تاريخ المملكة المتحدة... وقد أثار هذا المسلسل- عند عرضه- الكثير من الجدل حول ما قدمه من تفاصيل حول- ليس فقط- شخصية الملكة إليزابيث ومواقفها، وإنما من تناولهم المسلسل من أفراد أسرتها... إلا أن حوارا أكثر عمقا تبلور مع مرور الوقت حول أهمية المسلسل، وما أثاره من الكثير من القضايا والإشكاليات التى تتعلق بتاريخ إنجلترا فى أربعة عقود من أهم العقود فى حياة الإمبراطورية التى لا تغرب- لم تكن تغرب- عنها الشمس... وها هو المؤرخ المتخصص فى تاريخ العائلة الملكية «روبرت لاساى» يصدر كتابا من جزءين حول المسلسل يحاول فيه الإجابة عن الأسئلة المتتالية: ما هو الحقيقى والواقعى فى المسلسل؟ وما هو المتخيل؟ ما الذى جرى بالفعل؟ وما الذى لم يحدث؟... (الجزء الأول، 450 صفحة- 2017)... ومن أهم الأفكار التى تداولها الكثيرون الذين شاركوا فى النقاش وكانت محل اتفاق أن: «العمل الدرامى الذى ينجح فى إثارة عقول المشاهدين ويمس مشاعرهم- على اختلافهم- يحظى بالتوافق الجمعى بغض النظر إذا كانت هناك تفاصيل تحتاج إلى مراجعة لأن ليس مرجعا تاريخيا وإنما عمل درامى»...
(2)
«إليزابيث والدستور: كرامته وكفاءته»
وبعيدا عن حديث «الحقيقة والخيال» فى الدراما التاريخية. أتصور أن مسلسل «التاج» قد فتح لى- فى فترة العزلة- أن أعيش أحلاما واعية ممتعة ومدهشة ومثيرة للتأمل والتفكير ومجددة للذهن حول كثير من الأحداث والشخصيات التاريخية. وأثر التاريخ على الواقع ومن ثم المستقبل... فلقد أتاح المسلسل قراءات تتعلق بتاريخ إنجلترا، ومسار العائلة المالكة، وطرق تعليم وتثقيف عناصرها من النساء والرجال، وظروف تولى إليزابيث الثانية الحكم بدلا من عمها الذى تنازل عنه، الاختلافات الثقافية واللغوية بين... واكتشاف المخفى عن تشرشل- بخلاف أنه كان رجل دولة من طراز رفيع- فلقد كان مؤرخا كبيرا وله أربعة مجلدات حول تاريخ بريطانيا عنوانها على الترتيب ما يلى: أولا: «ميلاد بريطانيا»، ثانيا: «العالم الجديد»، وثالثا: «زمن الثورة»، رابعا: «ديمقراطيات عظيمة»، وكتب مرجعية أخرى فى السياسة والتأريخ للحربين العالميتين، وغيرهم، تفسر لماذا لم تتحول إنجلترا إلى جمهورية لفترة وجيزة (بعد منتصف القرن السابع عشر) ولماذا بقيت ملكية، والصيغة الشرعية التى قامت عليها والتى نظمت العلاقة بين التاج والحكومة... وفى هذا المقام أوضح المسلسل فى إحدى حلقاته ببراعة شديدة كيف أن الدستور هو المرجعية العليا للبلاد حيث يضمن «التاج كرامته والحكومة كفاءته»... وقد كان لهذا المبدأ الدستورى تجسيد عملى مارسته الملكة مع رئيس الوزراء «إيدن» الذى تورط فى حرب السويس بعيدا عن المؤسسة التشريعية، بكذبة، وبتواطؤ مع فرنسا وإسرائيل... فقامت الملكة بتأنيبه ما أدى إلى استقالته... وكان ذلك إيذانا بغروب شمس الإمبراطورية. (ونشير هنا إلى مجلد «ملفات السويس» لمحمد حسنين هيكل الذى شرح تفصيلا مقدمات هذا الغروب وكيف جرى... ونشير لأفلام: «تشرشل: أوقات عصيبة»، و«خطاب الملك» عن جورج الخامس)...
(3)
«إليزابيث على يسار الحكومة!»
وكان من نتائج أفول شمس الإمبراطورية أن دخلت إنجلترا فى واقع اقتصادى مؤلم عبر عنه المسلسل ببراعة ودقة ما دفع إنجلترا للاقتراض من الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك بدء حركات التحرر فى كثير من المستعمرات التابعة للمملكة. والأهم، إفساح المسلسل المجال للكشف عن حالة الغضب الشعبى التى طالت الجسم الاجتماعى الإنجليزى. وكيف انحازت الملكة انطلاقا من كرامة الدستور لضمان كفاءة تفعيله لصالح المواطنين للفت انتباه الحكومة لغضبهم وهو ما تجسد فى فن موسيقى وسينمائى وأدب غاضب (أدب أوزبورن وهنتر وموسيقى وكلمات البيتلز وجماعات السينما الجديدة والحرة)... وهو الانحياز الذى استمر وقت «تاتشر» والذى تجلى بروعة فى الموسم الرابع من «التاج» وكشف عن مشروع مخاصم للمواطنين (ونشير لفيلم المرأة الحديدية لميريل ستريب- 2012)...وبعد «التاج» أكثر من سيرة ذاتية عشت معها أحلاما واعية متعددة.