وردت هذه العبارة في افتتاحية العدد الجديد من دورية فورين أفيرز (مارس ـ ابريل 2021الصادر هذا الأسبوع) ...والخسائر المقصودة في العنوان هي التي تكبدتها الولايات المتحدة الأمريكية في الزمن الترامبي أو خلال فترة رئاسة ترامب التي وصفتها الدورية بالفوضى وبالكارثية على المستويين الداخلي والخارجي...
فلقد جاء مشهد اقتحام الكونجرس ــ ممن عرفوا بأنصار ترامب ــ ليجسد ما دأبنا على كتابته حول ما آلت إليه أحوال الداخل الأمريكي من: تصدع وانقسام على المستويات: الطبقية، والجيلية، والعرقية، والسياسية (يمكن مراجعة مقالاتنا حول الشأن الأمريكي منذ 2017 وحتى سلسلة مقالات الزمن الترامبي التي نشرت في قبل الانتخابات الأخيرة. وتزيد هذه المقالات عن 20 مقالا) أو بحسب ...فبالرغم من حالة الارتياح التي أبداها الكثيرون من هزيمة ترامب إلا أن السؤالين المتكررين الحاكمين لكل المحللين هما: أولا: ما هي التقديرات الأولية للخسائر التي لحقت بالولايات المتحدة الأمريكية وطبيعتها وتداعياتها؟؛ وثانيا: كيف يمكن الإقلاع مجددا؟...خاصة مع إقرار جوزيف بايدن في خطاب تنصيبه بهشاشة الديمقراطية الأمريكية. أخذا في الاعتبار أن المشروع الأمريكي يقوم في جوهره على خصوصية وتميز هذه الديمقراطية التي تتيح لكل فرد أن يعيش الحلم الأمريكي المتفرد...
وظني، وقبل متابعة الإجابة عن هذين السؤالين الكبيرين الملحين والمهمين ليس فقط للولايات المتحدة الأمريكية وإنما للعالم، علينا أن نجيب على سؤال أساس هو ما الذي أوصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى الزمن الترامبي؟...ذلك لأنه إن لم ندرك الخلفية التاريخية التي أنتجت هذا الزمن لن يتم تجاوز خسائره...ولذلك يستدعي البعض ممن يقومون بتحليل اللحظة التاريخية الراهنة وتقدير خسائرها المؤرخ الأمريكي الكبير هوارد زين(1922 ـ 2010) الذي عني بكتابة التاريخ الشعبي والاجتماعي لأمريكا لا تاريخ النخبة مكرسا أهمية التاريخ لأنه: إذا لم يُعرف التاريخ فالأمر سيكون وكأن المرء قد ولد بالأمس فقط. وإذا ولد المرء بالأمس فقط ــ بالرغم من التاريخ وما تعرض له من خبرات واختبارات ـــ فأي شخص ذي سطوة يمكنه أن يقول لك أي شيء...ما يحول دون إمكانية تصويب او تعديل أو تغيير المسار. وربما ــ وفي الأغلب ــ سيعيد نفس الأخطاء الماضية...من هنا أبدعت الكاتبة والصحفية الأشهر ناعومي كلاين في تحليلها العميق والمركب (وغيرها)لما يمثله ترامب والحالة الترامبية في المشهد السياسي ــ والاقتصادي/الاجتماعي ــ الأمريكي...فيما هو أعمق من تغريداته الصادمة، وخلافاته مع بيلوسي وغيرها، وانفضاض معاونيه عنه بشكل دائم، وعدم وفائه بالالتزامات والتعهدات الدولية، ورعونته وفرديته في إعداد السياسات وصناعة القرارات، وغير ذلك، حيث كل ما سبق يعد نتائج لحالة سياسية في حاجة للتأمل...
عن ترامب وزمنه؛ تقول كلاين: وصل ترامب في ظل غضب جماهيري عارم في داخل أمريكا وخارجها. فبعد أن تعب كثير من المواطنين في الكوكب من الأحزاب القائمة والمؤسسات الاقتصادية والسياسية الحاكمة منذ الحرب العالمية الثانية، دعم بعض من هؤلاء الغاضبين بالإضافة لنخبة مليارديرات الاقتصاد الفقاعي قيادات تعمل على تقديم امتيازات سريعة بعيدا عن الأعراف الدولتية المألوفة ومن ضمنهم ترامب الذي بات حلما...
إلا أن الكثيرين اعتبروا ما جرى في واشنطن عام 2016 هو نوع من الاختطاف (إذا ما استعرنا تعبير سوزان جورج في وصفها لاختطاف اليمين الديني والسياسي المحافظ لأمريكا) الصريح للدولة ومؤسساتها لصالح الشركات والمراكز المالية لكي تقوم بإدارة الدولة مباشرة بعيدا عن الوسطاء السياسيين التقليديين. ومن هنا أدار ترامب البيت الأبيض وكأنه يدير إحدى شركاته. وباتت مهمة ترامب وفريقه العمل على تفكيك الدولة الإدارية بحسب ما أعلن ستيف بانون في فبراير 2017وقد تم اختيار الفريق العمل الترامبي من أجل هذا الهدف. وهو التفكيك الذي طال الحزب الجمهوري أيضا...وتؤكد الفكرة السابقة دراسة حديثة أجريت للمقارنة بين عناصر إدارتي بوش الابن وترامب. فالإدارة الأولى؛ كان السياسيون يمثلون فيها الشركات مثل: ديك تشيني وكوندوليزا رايس، وغيرهما (وثقنا ذلك تفصيلا في كتابنا الإمبراطورية الأمريكية: ثلاثية الثروة والدين والقوة). أما الإدارة الثانية؛ فكانت الشركات تدير الوزارات ــ تكاد ــ مباشرة وهو ما وثقته أكثر من دراسة...نعم منحت إدارة ترامب بعض المزايا للطبقة الوسطى العليا، إضافة لبعض الكتل التصويتية ذات النزعة العنصرية، إلا أنه ــ يقينا وبطبيعة الحال ــ لم تف بوعودها للشرائح الوسطى والدنيا من الطبقة الوسطى، ولا للطبقة الدنيا، والسود ولا للعمال والفلاحين...كما لم يتحقق شعار أمريكا أولا...
ولم يأبه ترامب بأن يراعي عدم تعارض المصالح فبقيت أعماله تعمل في ظل رئاسته، كما لم يقدم ما يستوجب من إقرارات ضريبية عنها. وثمة دعوى قضائية منظورة حول انتفاع ترامب من المنصب العام خاصة وأن هناك ما يتردد عن استفادة إمبراطوريته من مزايا عدة ليس فقط في داخل الولايات المتحدة الأمريكية وإنما في عدة دول أجنبية وهو ما يحظره الدستور الأمريكي...في هذا السياق، صدرت كثير من الدراسات التي عنيت بدراسة القاعدة الاجتماعية المساندة للحالة التي أسسها ترامب والتي فضل العمل لمصلحتها أولا في حقيقة الأمر...ونشير هنا إلى الدراسة الوافية حول الانتخابات الأمريكية المفكر صاحب مؤلف كوكب العشوائيات لمايك ديفيز(75 عاما): حرب الخنادق: ملاحظات سوسويولوجية على انتخابات 2020؛ حيث قام بقراءة الخريطة التصويتية قراءة طبقية وعرقية وجيلية وجهوية تبين أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني فورانا اجتماعيا وخطرا إنسانيا سيكون من شأنهما إحداث ردات فعل دراماتيكية تشير إلى مدى فداحة الخسارة ــ أو الكوارث بتعبير ديفيز ــ التي منيت بها الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأربعة الأخيرة...
وبعد، هل سينجح بايدن في مهمته؟...وهل الزمن الترامبي مجرد زمن عابر أم القاعدة الاجتماعية التي أعلنت عن وجودها باقتحام الكونجرس سوف تعمل على إعادته؟...