أحلام فترة العزلة (16): جيل «زد»...

(1) «أحلام الشباب عبر الأجيال»
منذ عامين تقريبا، تحدثنا عما يُعرف فى أدبيات سوسيولوجيا الشباب بـ«الزلزال الشبابى» «Youthquake». وهو التعبير الذى شاع عقب الانتخابات السياسية المبكرة التى أجريت فى العام 2017،

ومن قبلها استفتاء «البريكست» (أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى)... حيث رصدت هذه الأدبيات فاعلية جيلية شبابية جديدة تختلف جذريًا عن ما سبقها من حركات شبابية على جميع الأصعدة... ويعرّف قاموس أكسفورد الإنجليزى (ديسمبر 2017)، مصطلح «الزلزال الشبابى» (الذى اعتبر كلمة العام ــ آنذاك ــ وكنا أول ما عرفنا القارئ العربى به وقت إعلانه) بأنه: «التغيير الهائل/الضخم الذى استطاع أن يحققه الشباب ــ الصغير ــ سواء بالأفعال المباشرة أو بالضغط فى المجالات السياسية، والثقافية، والاجتماعية والاقتصادية»... ما أدى إلى تأسيس نموذج حياتى مغاير «Dissimilar Paradigm»، لما يعرفه العالم، مؤسس على «الرقمنة»؛ ومرّ التغيير الضخم بمرحلتين ــ خلال نصف القرن الماضى ــ هما، أولًا: ثورة الطلبة فى 1968. وثانيًا: ميلاد الأجيال الرقمية أو جيل «جوجل» (تعبير استخدمناه فى كتاباتنا مبكرًا) منذ منتصف التسعينيات... فماذا كانت أحلام كل فترة؟...

(2) «ثورة الطلبة فى 1968؛ وحلم الخروج على النص»

نقول إنها كانت حركة احتجاج وغضب عارمة، عبّر عنها جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية من بنى الاستبداد عمومًا، وخصوصًا الثقافية. ومن ثم أعلنت عن رفضها الاندماج بمؤسسات تحتكر المعرفة والثروة والثقافة من خلال سلطة أبوية مستبدة وقهرية، تعمل طول الوقت على ممارسة السيطرة على الشباب، فارضة عليهم قسرًا القبول بقيم وأفكار وتوجهات لا تعبر عن جيل الشباب وتطلعاته. بل وتعترض- بحسب روجيه جارودى- على «غايات وقيم الشبيبة»، نفسها، الحالمة بعالم أكثر إنسانية... وعمل هذا الجيل على الخروج على النص التاريخى الذى وجه المسار الإنسانى من حيث القيم والأفكار والمؤسسات... فكانت هذه الموجة الأولى من أجل التحرر من الاستبداد الثقافى لحقت بها ــ فى هذا السياق وفى غضون 20 سنة ــ الموجة الثانية من التحرر من الاستبداد السياسى التى تجلت فى سقوط جدار برلين 1989. ثم الموجة الثالثة مع مطلع التسعينيات التى احتشدت ضد الاستبداد الاقتصادى فى حركات مناهضة العولمة...

(3) «ميلاد الجيل الرقمى أو جيل جوجل وحلم التأسيس لنص جديد»

ساعدت دورة تضاعف المعرفة وما نتج عنها من تجدد تكنولوجى مطرد، فى أن يولد ما بات يُعرف بالشباب الرقمى الذين استطاعوا أن يستوعبوا ويهضموا موجات التحرر الثلاث من الاستبداد الثقافى والسياسى والاقتصادى التى مكّنت الشباب من إمكانية الخروج على النص ومهّد الطريق لأن يقوموا هم «بالتأسيس لنص جديد» من تأليفهم خاص بهم... مكّنتهم من ذلك الطفرة ــ التى لا تنقطع ــ الحادثة فى مجال التقنيات الرقمية بتجلياتها المختلفة والتى تعد فى واقع الأمر إيذانًا بانطلاق زمن جديد مُركّب وشبكى مغاير تمامًا للعالم القديم الذى بات بسيط التركيب وخطى التقدم.

(4) «جيل وراء جيل: XوYوZ... وما يُستجد من أجيال/أحلام»

استطاع الجيل الرقمى ــ بحق ــ أن يقوم، وبنجاح أكيد، «باختراع فاعلية مجتمعية جديدة» «Inventing New Societal Activism»؛... لم تتحقق هذه الفاعلية مرة واحدة وإنما عبر «كتلة شباب الألفية»؛ أو أجيال رقمية مطردة التشكل والتعاقب، كما يلى: جيل «الميللينيالز» «Millennials»، فجيل «إكس» «X» و«واى» «Y»، والآن جيل «زد» «Z»؛ (ونشير إلى أن هناك من بات يرصد تشكل جيل آخذ فى الميلاد والتشكل ــ الآن ــ هو جيل «ألفا» «Alpha»، يُراجع كتابا: (جيل زد: قرن قيد التشكل ــ 2019، وجيل زد يلتحق بالجامعة ــ 2016)... إنها الفاعلية التى أوجدت فجوة هائلة بين هذا الجيل الرقمى بدرجاته النوعية المتعاقبة وبين ما سبقه من أجيال باتت خارج التاريخ... وفى هذا السياق يمكن رصد أربعة ملامح جوهرية تميز الجيل الرقمى، وذلك كما يلى: أولًا: الانقطاع الجيلى المطلق؛ ثانيًا: فك الارتباط بالمرجعيات التقليدية/الوسائط الطبيعية وخلق عوالم مستقلة، ثالثًا: التطلع إلى الأرقى، رابعًا: التوحد التام بالتقنيات الرقمية التواصلية؛... ما يعنى أحلامًا جديدة وتطلعات جديدة تفوق ــ حتمًا ــ حُلمى: الخروج على النص، والتأسيس لنص جديد فى كل مساحات الحياة اليومية... ونواصل أحلامنا الواعية...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern