أحلام فترة العزلة.. (11): الموسيقى: لغة المشاعر العابرة للاختلافات

(1) «الموسيقى: حلم الحياة الساحر»؛
أتاحت لى فترة العزلة أن أعيش أحلاما لا حصر لها عبر الأنغام الموسيقية المتنوعة دون تحيز لنوع معين من أنواعها أو حيرة بين التصنيف المتعنت للموسيقى بين شرقية وغربية، ونخبوية وشعبية، وقومية وعالمية. فالاستماع للموسيقى هو حالة من الاختطاف الواعى

تنجذب لها الأذن والنفس دون سبب ما محدد. يفسره الموسيقار الكبير «عزيز الشوان» فى عبارة بليغة بقوله: «العبارات الموسيقية هى مادة أثيرية لا تُلمس ولا ترى ولا تثبُت فى الهواء، ليست موجهة للعقل مباشرة بل هى تخاطب الأحاسيس والوجدان وتحرك المشاعر المختلفة عن طريق أعماق النفس»(الموسيقى للجميع ــ 1990).. إن الإبداع الموسيقى يتخلق داخل صاحبه ثم يتجلى فى صياغات مسموعة تنتقل عبر الأثير للمستمعين. وبقدر صدقها وأصالتها الإبداعية بقدر ما تكون استجابة المستمعين، وتفاعلهم: «دهشة» و«تأملا» و«تجددا فاعلا»؛ صانعة حلما حياتيا ممتدا: ساحرا وجميلا.

(2) «حلم الموسيقى الممتد: مناخ»؛

أتاحت لى فترة العزلة أن تكون للأحلام النغمية حضورا فيها لا يتوقف سواء من خلال: تخصيص أوقات معينة للاستماع لأعمال موسيقية معينة، أو تركها منطلقة بحرية كخلفية لما أقوم به من مهام مختلفة. وذات مرة من مرات «السمع» الخالص شغلنى سؤال حول متى بدأت علاقتى بالموسيقى؟ وطبيعتها؟ ولماذا؟ وانفتاحى على كل أنواعها؟ وأثرها؟.. وللإجابة على هذه الأسئلة وغيرها وجدتنى أعود بالذاكرة إلى الطفولة حيث «وهابية والدى ــ الطبيب ــ وعشقه لعبد الوهاب القديم والوسيط والجديد: مريت على بيت الحبايب، وأهواك، وغدا ألقاك»، كذلك عشقه لأغانى الأربعينيات والخمسينيات الأجنبية: فرانك سيناترا وغيره، والدوريات القديمة التى يحتفظ بها والتى كانت تخصص مساحات للنقد الفنى رفيع المستوى للأغانى وتأثره بالأسطوانات التى لا حصر لها التى حملها شقيقاه الأكبر عند عودتهما من الدراسة فى إنجلترا والتى كانت شديدة التنوع.. وخالى الصحفى والمترجم القديم والقدير ــ الذى عاد من بعثة لإنجلترا (1966) فى الفن الصحفى حاملا «ريكوردر»، فى منتصف الستينيات، وعشرات الشرائط «الَبكْر» التى تضم أغانى مرحلة منتصف الستينيات، وعمى ــ طبيب القلب والمناضل السياسى العتيد ــ الذى كان يعزف بمهارة شديدة أهم المقطوعات من الموسيقى الكلاسيكية على آلة البيانو التى كانت فى شقته المجاورة لشقتنا خاصة بعد منتصف الليل وحتى مطلع الفجر. والتى كان يستضيف فيها من حين لآخر فى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات «محمد حمام» و«الشيخ إمام».. ما أوجد مناخا ثريا شكل تجربة، كما يقول الدكتور فؤاد زكريا، صاحب التجربة المشابهة، «معتمدة على ذاتها اعتمادا يكاد يكون تاما» (مع الموسيقى: ذكريات ودراسات ــ 1985).. تجربة تؤكد أهمية مناخ التنشئة على الإنسان وفضله فى أن يجعل الاستماع الموسيقى حالة دائمة ممتعة يسعى إليها المرء.. وفى هذا الإطار بدأت رحلة خوض الأحلام النغمية: اكتشافا حيا، وتثقيفا ذاتيا.. فبدأت علاقة وثيقة «بالبرنامج الموسيقى» منذ أن كان يبث لثلاث ساعات يوميا فى نهاية السبعينيات وحتى اليوم وقد أصبحت ساعات بثه 24 على 24.. ثم الانتظام فى حضور حفلات الموسيقى الكلاسيكية فى مسرح الجمهورية قبل تأسيس الأوبرا الجديدة.. والتعرف، إضافة للموسيقة الكلاسيكية العالمية، على الموسيقى المصرية القومية «أبوبكر خيرت»، و«رفعت جرانة»، و«كامل الرمالى».. إضافة لقراءة أمهات المصادر حول الموسيقى «للانج» و«فينى» و«ايتشتين».. وحول موسيقانا القومية لسمحة الخولى.. ولا أنسى فضل شروحات «حسين فوزى» للموسيقى الكلاسيكية فى البرنامج الثانى (الثقافى) والتى يعاد إذاعتها الآن بالبرنامج الموسيقى الآن.. كذلك الكتاب المُذهل «دعوة للموسيقى» ليوسف السيسى».

(3) «بيتهوفن 250»؛

تداخلت الأحلام: نغما وفكرا وأنا أتابع إحدى المحطات الأوروبية التليفزيونية المخصصة لعروض الموسيقى الكلاسيكية والأوبرات والباليه: قديمه وحديثه، والجاز،..، إلخ، وغيرها، التى واكبت الاحتفال فى هذا العام ــ 2020 ــ بمرور 250 عاما على ذكرى ميلاد أحد أهم الموسيقيين العالميين «لودفيج فان بيتهوفن» (1870 ــ 1827) الذى لم يعقه صممه أن يعبر عن مشاعره ويترجمها فى إبداعات موسيقية تثير دهشة العالم ــ على تنوعه ــ فلا يفلت أى موسيقى فى العالم، وتدفعه لتأملها واستلهامها بدرجة أو أخرى.. وتجدد نفوس محبى الموسيقى وربما تنطق عنه بما لا يقدر أو لا يعرف «أن يبوح به» ــ بحسب العقاد، ونتابع أحلامنا الواعية ونفصل قليلا كيف احتفل العالم «ببيتهوفن».


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern