أحلام فترة العزلة (3): «البحث عن السعادة»

(1) «إيه هى السعادة؟»؛

هاتفنى صديقى خلال فترة العزلة عبر المحمول فقلت له لماذا لا تتصل بى على الهاتف الأرضى. فلى زمن طويل لم أستخدمه. فقال: لا مانع. وبالفعل أعاد الاتصال على الأرضى وبقينا لوقت ممتد نتحاور حول عديد القضايا. إلا أن السؤال الأول الذى استهل به الاتصال: هل أنت سعيد بالعزلة؟ أجبته بكلمات من المونولوج الشهيرـ العميق «السعادة» للعبقرى أبو سعود الإبيارى الذى أداه «إسماعيل يس» الذى أحب مونولوجاته كثيرا: «إيه معنى السعادة؟ و«إيه هى» فى نظرك.. وهل تقصد أن الالتزام بالعزلة يعنى استحالة الشعور بالسعادة؟ وهل كانت تكمن السعادة فى نزولنا أو سفرنا الدائم؟.. وتوالت وتنوعت الأسئلة وخلصنا إلى أننى قلت لصديقى: «ظنى أن فترة العزلة يمكن أن تكون فترة للمراجعة والحلم الواعى الذى يجدد الدهشة والتأمل وتصور المستقبل».. ولنا فى «هكتور» مثال.. فمن هو «هكتور»؟.

(2) «هكتور يبحث عن السعادة فى كل القارات»؛

«هكتور» هو طبيب نفسى، بطل فيلم «هكتور والبحث عن السعادة»، بطولة «سيمون بيج» إنتاج 2014،.. والذى يعيش حالة من الأسى غير طبيعية لا يعرف مصدرها.. ومن ثم قرر أن يجوب العالم بحثا عن السعادة.. ومن خلال عدة مواضع قارية مختلفة تتراوح بين: الغنى والفقر، والاستقرار والفوضى، والإبهار والخواء، وشخصيات مثالية وأخرى فاسدة.. إلخ، تعرض «هكتور» للعديد من المواقف المتناقضة: الطيبة والسيئة.. ونتج عن رحلته الباحثة عن السعادة، أنها أججت مشاعره تجاه مسقط رأسه وعمله ومرضاه وحبيبته وحاضره ومستقبله.. وهو ما تأكد عندما التقى فى آخر محطة من الرحلة بأستاذته وصديقته القديمة التى تزوجت وأنجبت...والذى ذهب إليها ظنا أنه يمكن أن يجد لديها معنى للسعادة.. وبالصدفة كان أستاذه يجرب تجربة علمية يخضع فيها الشخص للبقاء فى غرفة مغلقة وعبر تذكر مجموعة من الانفعالات التى تعكس ثلاثة أحاسيس: السعادة، والحزن، والخوف يقوم بترجمتهاـ كهربيا- إلى ألوان.. واللون الذى يطغى سوف يعبر عن المشاعر الغالبة للشخص والتى تميزه.. وفى العادة ينتج عن هذه التجربة ميل الشخص لشعور محدد يتراوح فى الأغلب بين الحزن والخوف.. وذلك بسيادة لون واحد.. المفاجأة أن نتيجة اختبار «هكتور» قد أتت تعبر عن حالة شعورية تجمع بين الألوان الثلاثة مجتمعة.. وهذا هو الإنسان الطبيعى.. فلا يعد إنسانا طبيعيا من يستسلم لكل من الحزن أو الخوف ــ على حدة أو لكليهما معا ــ لأنه لن يعرف معنى السعادة.. كما أن السعادة لا يمكن التمتع بها إذا ما تم اعتبارها ملكية خاصة.. لقد وجد «هكتور» ضالته فى لحظة عزلة أو مراجعة حقيقية فى غرفة مساحتها متر مربع، حيث تكثفت أمامه لحظات حياته المتفرقة والمتبعثرة.

(3) «السعادة حرية»؛

تتحقق السعادة من خلال القناعة الذاتية بأنها تنطلق من قدرة المرء على أن يجعلها حقيقة، وعلى أنها حق إنسانى طبيعى، وإنها التزام المرء بأنه يوفرها، بحب، لذاته وللآخرين ولمجتمعه، ومن خلال مجموعة من المصادر، المعتبرة، التى عدت إليها فى هذا السياق، هناك إجماع على أنه لا يمكن بلوغ السعادة ما لم نلتزم التحرر الذاتى من الأوهام، والقيود، والأساطير، و«النوستالجيا» الزائفة التى تجعل البشر يسكنون الماضى لا يبارحونه ويظنون أن سعادتهم هناك فقط، والمستقبل الكاذب غير القائم على أسس،.. إنها حالة مصالحة فرحة مع الحاضر تحمل ضمنا تقديرا دقيقا للماضى، وتصورا جديا للمستقبل.. فالسعادة بهذا المعنى هى فن الحياة التى ندرك فيها أن الارتهان/ الارتكان إلى المال أو المكانة أو الصناعة غير الأصيلة للسعادة من خلال المتع العابرة.. إلخ،.. ولعل هذا ما دفع خبراء التنمية المجتمعية يطورون نظرتهم لما يُعرف بدولة الرفاه بأنها لابد من أن تتجاوز المعيار الاقتصادى/المادى المحض لقياس مدى رضا الإنسان/ المواطن.. كذلك الفلسفى التقليدى كما عبر عنه القدامى مثل أرسطو، والمحدثين مثل راسل.

(4) «الإبداع: ذروة السعادة»؛

يجسد «بيتهوفن» من خلال السيمفونية التاسعة المعروفة بالكورالية والتى سمعت فى فيينا لأول مرة عام 1842 نموذجا للإنسان الذى يتمكن من خلال الإبداع أن يتجاوز حزنه على فقد سمعه وينتصر على خوفه من الفاقة.. ويعبر عن ما عُرف «بجذوة الفرح والسعادة».

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern