(1) «حلم التجديد الفكرى»؛
ألح على «حلم التجديد الفكرى»، عامة، والفكر الدينى، خاصة، فى فترة العزلة،... والفضل ــ بالأساس ــ لفيلم «البابوان» الذى شاهدته مرتين ــ فى وقت متقارب ــ والذى يحكى عن كيفية تنازل «البابا بينيديكت السادس» «للبابا فرنسيس» الحالى عن بابوية الكنيسة الكاثوليكية. فمن خلال حوار بديع ممتد بين «البابوين»، المزمع أن يتقاعد والمنتظر انتخابه كبديل، تتجلى بدقة شديدة وتفاصيل مفيدة، ماذا تعنى المحافظة وكيف تتشكل؟
وماذا يعنى التجديد وكيف يتخلق؟... وما هى السياقات والظروف والشروط التى تُغلب أيا منهما على الأخرى؟... فلقد وردت الإجابة فى عبارة عبقرية جاءت على لسان «الكاردينال بيرجولجيو» (اسم االبابا فرنسيس قبل أن يصبح بابا) تقول: «ابنوا جسورا لا جدرانا»... ومفادها أن «الانفصال عن العالم والبشر والمجتمع تفصل المرء عما حوله»... وفى الأغلب يترتب على الانفصال سوء إدراك ما يجد من مستجدات على أحوال البشر وأوضاع العالم... ويولد الجهل بالمستجدات المجتمعية الاختباء وراء جدران: الجمود المعرفى، والتحريم السلطوى، والتطبيق الحرفى للنصوص الذى يؤدى إلى إماتة الأرواح،...،إلخ. وبالأخير، ليس فقط عدم تمييز صوت الناس وإنما، أيضا، «صوت الله» كما عبر «البابا بينيديكت» فى الفيلم... إنها لحظة نهاية شعر بها وعبر عنها بأمانة «البابا بينيديكت» ودفعته ــ بمسؤولية ــ إلى فتح أفق حوارى مع الكاردينال الأرجنتينى حول ــ ليس فقط ــ مستقبل الفاتيكان: المؤسسة، وإنما مستقبل الناس وكيفية بناء الجسور معهم...من هنا فقط يبدأ التجديد الفكرى والدينى والمؤسسى...
(2) «التجديد الفكرى: عملية مجتمعية»؛
فى أثناء حلمى الواعى ودهشتى التفاعلية مع فيلم «البابوان»، تذكرت الكتاب العمدة: «تشكيل العقل الحديث ـ 1953» لأستاذ التاريخ «كرين كريبتون» (1898 ــ 1968)، والذى قام بترجمته المثقف الموسوعى الأستاذ شوقى جلال عام 1984 ضمن سلسلة عالم المعرفة، والذى قدم فيها تفسيرا لكيف يتم التجديد الفكرى عموما والدينى خصوصا، وقبل ذلك لماذا؟، حيث يشير «كريبتون» إلى: العلاقة «الجدلية» بين «الرأسمالية البازغة ــ آنذاك ــ وبين البروتستانتية». حيث قام بتحرير السؤال من سذاجة طرحه على أرضية «أيهما أول البيضة أم الدجاجة». فلا ريب، يؤكد برينتون «بأن وقوع تحولات عميقة مثل تلك التى تضمنها تحول اقتصاد زراعى إلى اقتصاد نقدى يرتكز على تجارة السوق الواسعة، يجعلنا نتوقع أن تكون مصحوبة، ومتبوعة، بتحولات عميقة فى كل جوانب الحياة الإنسانية...»؛...بلغة أخرى أن الدافع للتجديد الفكرى، ومن ثم الفكر الدينى، ينطلق بالأساس من التحولات المجتمعية التى تتجاوز الأمر الواقع: بمحافظته، وركوده، وجموده إلى واقع افضل أكثر تقدما... ما ينعكس إيجابا على الناس والمجتمع بالحيوية والفاعلية التى تجدد الفكر واللغة والخطاب وتشجع التأويلات المتعددة... إن ما جرى فى أوروبا العصور الوسطى «رحلة نضالية تاريخية» خاضت فى سياق إقطاعى شديد القسوة والظلم على مواطنى تلك العصور، ــ بحسب «جورج سباين» فى مرجعه العمدة تاريخ الفكر السياسى، الجزء الثالث ــ الذى استدعيته فى فعاليات حلمى الواعى، إضافة إلى كتاب عمدة آخر هو: «أسس الفكر السياسى الحديث فى عصرى النهضة والإصلاح الدينى»؛ للمؤرخ المعتبر بجامعة كامبريدج «كوينتين سكنر»، الذى أكد على أن التجديد هو نتاج عملية مجتمعية ذات طابع إنتاجى يتسم بالتقدم عن القائم بالفعل يواكبها درجة متقدمة أيضا من العلم والمعرفة تكون فى المجمل للناس وبهم...
(3) «التجديد: بالناس وللناس»؛
تدفع الدهشة والتأمل ــ تلقائيا ــ إلى النظر للمستقبل فى محاولة لقراءة كيف يمكن الدفع إلى «تأسيس عقلى جديد»؛ يكون مواكبا لعصر جديد آخذ فى البزوغ والتشكل يختلف كليا عن عصر يأفل بجدارة...«تأسيس» تكون أفكاره نتاجا لاشتباك فاعل وجدل حقيقى مع قضايا الإنسان المعاصر وأسئلته الحقيقية واحتياجاته الواقعية من خلال اجتهادات أصيلة... ولن يتم ذلك إلا بالانفتاح على الناس ومد الجسور نحوهم لا بالانفصال عنهم بجدران سميكة... ولكن كيف؟،... وتستمر وتتنوع الأحلام الواعية (الأفلام والأقلام والأنغام...)،...