(1) «بوب وودوارد: مؤسس صحافة الاستقصاء»
لا خلاف على أن الكاتب الصحفى الأمريكى «بوب وودوارد» (77 عاما)، هو الصحفى الأبرز خلال الخمسين سنة الأخيرة. وقد حظى وودوارد بهذه المكانة للاعتبارات الثلاثة التالية: أولا- لأن خبطته الصحفية الأولى أعلنت عن ميلاد صحفى كبير وتوجه صحفى جديد عُرف فيما بعد «بصحافة الاستقصاء» الذى يعتمد ــ إضافة إلى المصادر التقليدية فى إعداد التقارير الصحفية
ــ على تفاصيل كثيرة معقدة حول: تاريخ الشخصيات التى يتم تناولها، وعلاقاتها المتشابكة السياسية والمالية والدولية، والتوثيق الدقيق اليومى لكل ما يرتبط بموضوع البحث الصحفى. واعتبر «وودوارد» رائدا فى هذا المقام بالإجماع على المستويين المهنى والأكاديمى وتقريره التاريخى نموذجا تأسيسيا للصحافة الاستقصائية.
وثانيا: لأن خبطته الصحفية الأولى (بمشاركة كارل برنشتاين) نجحت فى أن تدفع الرئيس «ريتشارد نيكسون» (الرئيس 38 لأمريكا) إلى التنحى وعدم استكمال مدته الرئاسية عام 1974، تحت ضغط ما عُرف تاريخيا «بفضيحة ووترجيت».
وثالثا: تخصصه فى متابعة وتقييم أداء رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الذين تعاقبوا على كرسى الرئاسة. الأمر الذى جعل كتبه ينتظرها ويطالعها الكثيرون ليس فى الولايات المتحدة الأمريكية وإنما فى العالم كله.. لماذا؟
(2) «بوب وودوارد: مؤرخ كواليس الإدارات الأمريكية المتعاقبة»؛
تكشف كتب «بوب وودوارد» عن الخفى والسرى فى «كواليس» الإدارات الأمريكية المتعاقبة. وفى هذا الإطار أصدر «وودوارد»، على مدى 50 عاما تقريبيا ــ 19 كتابا منها ما يلى: «كل رجال الرئيس»، و«الحروب السرية للمخابرات الأمريكية المركزية من 1981 و1987» (أى خلال فترتى رئاسة الرئيس ريجان)، و«الأجندة: داخل بيت كلينتون الأبيض»، و«الحرب فى داخل إدارة الرئيس بوش الابن»، و«حروب أوباما»،...،إلخ...ويمكن القول أن كتب «وودوارد» فى مجملها تشكل تاريخا تفصيليا دقيقا «لكواليس» كيفية صناعة القرار وملابساتها فى الولايات المتحدة الأمريكية من قبل رؤسائها المتعاقبين من «نيكسون» إلى «ترامب» وعلاقتهم بمؤسسات الدولة المختلفة: القضائية، والتشريعية، والتنفيذية، والفيدرالية، والحزبية. كذلك علاقتهم بدول العالم ومؤسسات المجتمع الدولى...وذلك بلغة بسيطة ووافية ودقيقة التفاصيل ودالة ومؤثرة...
(3) «خوف وغضب: حصيلة الزمن الترامبى»؛
فى هذا السياق، واصل «وودوارد» عمله الذى دأب على إنجازه على مدى نصف قرن بتأليف كتابين عن ترامب هما: أولا: «خوف: ترامب فى البيت الأبيض ــ سبتمبر 2018»؛ “Fear”. ثانيا: «غضب ــ سبتمبر 2020»؛ “Rage”...ويعبر عنوانا الكتاب: «خوف وغضب» عن الحالة التى وصل إليها أغلب المواطنين الأمريكيين من جراء الأداء الكارثى لترامب والذى يدلل عليه من واقع مئات المقابلات والتحقيقات والوثائق والمحاضر والتسجيلات الحية مع كثير من العناصر التى كانت فاعلة فى إدارة ترامب (تم النشر بعلم وإذن أصحابها).. وأغلب هؤلاء ــ إن لم يكن جميعهم ــ التحقوا بإدارة ترامب ولكن سرعان ما قدموا استقالاتهم ليسجلوا واقعا غير مسبوق فى تاريخ الإدارات الأمريكية، حيث ما يقرب من 60 شخصا تركوا مواقعهم فى الإدارة الأمريكية احتجاجا على سوء الأداء الرئاسى الذى سبب القناعة بأن «قوة القيادة تكمن فى إشاعة الخوف».. هذا عن الخوف.. أما الغضب فيقر ترامب فى حديث أدلى به إلى «بوب وودوارد» فى 31 مارس من عام 2016، ويصدره فى مستهل الكتاب (500 صفحة) بأنه: «يسبب الغضب.. دوما».. وهو ما يتأكد مع قراءة كل صفحة من صفحات الكتاب وما تتضمنه من وقائع ومواقف وقرارات وتصريحات أثارت الغضب ــ ولاتزال ــ لدى كثير من فئات وشرائح كل من الإدارة والمجتمع الأمريكى على السواء: الفقراء، والسود، والأمريكيين من أصول ليست أنجلو سكسونية، وكبار مستشاريه، وقادة الجيش، وقيادات مؤسسات الدولة العميقة، وقطاع من الجمهوريين بسبب نرجسيته الشديدة وانفراده بالسلطة، وعنصريته، وتسريبه لمعلومات على أعلى مستوى من السرية وهو ما يوثقه الكتاب من مقطع مقابلة صوتية، وخفته فى مواجهة «الكورونا»، وخلافاته الفيدرالية وكسره لبعض تقاليدها، واستعادته ــ أحيانا ــ للخطاب المكارثى، وعدم وفائه بوعوده الانتخابية، وعلاقاته الملتبسة مع زعيمى كوريا الشمالية وروسيا،.. ما دفع الكثيرين إلى الانفضاض عنه فيما عدا جانبا من الكتلة الدينية التصويتية، وبعض المتمسحين بالهوية الأنجلو سكسونية البيضاء،.. «الخوف والغضب»، إذن، هما حصيلة الزمن الترامبى، بحسب «وودوارد