أفكار "تقليدية" لإنقاذ العالم من 21 مشكلة

تحت عنوان “21 حلاً لإنقاذ العالم” نشرت مجلة “فورين بوليسى” التى تصدر عن مؤسسة كارنيجى البحثية الأمريكية، فى عددها الأخير (مايو – يونيو2007)، ملفاً يطرح المشاكل التى تهدد العالم وتوجد حالة من القلق لدى سكانه. بداية حددت المجلة أن العالم يواجه 21 مشكلة، ثم قامت بعرض كل مشكلة من هذه المشاكل على أحد الاكاديمين أو الباحثيسن (فى مراكز بحثية أو شركات عالمية أو معاهد علمية) أو الاقتصاديين أو النشطاء المدنيين أو الناقدين فى منظمات دولية أو العسكريين، بهدف وضع حل أو أكثر لكل مشكلة من المشاكل التى تم تحديدها وتعمل على انقاذ العالم … وكانت عناوين المشاكل كما جاء فى الملف بالترتيب التالى:


الحكام المستبدون، توفير الدواء للفقراء، تداعيات المتغيرات المناخية، اللا مساواة الاقتصادية، التطرف الدينى، عدم المساواة بين الجنسين، حرب المخدرات، احتضار الديمقراطية الروسية، فشل المعونات الدولية, المعاهدة المنسية، الاعتماد على النفط، الحرب على الارهاب، سوء التغذية، مناهضو أمريكا، أمن الإنترنت، وباء الإيدز، الديمقراطية اللاليبرالية، الملاريا، الفقر، الإنتشار النووى، حلول بسيطة .


وبالطبع لن نستطيع عرض كل الأفكار المطروحة، لكن ربما يكون من المفيد أن نعرض لأهم الحلول التى طرحت لعلاج المشاكل التى تمس غالبية الناس بشكل مباشر, والتى أتصورها ذات الطابع الاقتصادى، خاصة إنها تعكس منطقا فى التفكير أظنه سوف يحكم استراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربى المستقبلية فى تبنى الحلول المطروحة والتى قد نرضى عن بعضها الآخر.. المشاكل التى سوف نعرض لها كما يلى: “توفير الدواء للفقراء”, “اللا مساواة الاقتصادية”, “فشل المعونات الخارجية”, وأخيراً “الفقر”.


البداية مع مشكلة “توفير الدواء للفقراء”, الثابت أن نصف سكان العالم يموتون بسبب أمراض يوجد علاج لها، ولكنهم لا يستطيعون توفير الثمن اللازم لشراء هذه الأدوية، وعليه يقترح سيباستيان مالابى (مدير مركز دراسات الجغرافيا الاقتصادية فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى) حلا يقوم على أن يتعهد الأغنياء من أهل الخير بشراء اللقاحات اللازمة، والتى تعجز الدول الفقيرة عن تحمل تكاليفها وتوزيعها للبلدان المختلفة. ولأن شركات الدواء العالمية تقوم بتطوير العقاقير التى تهدف الى إيجاد حل للمشاكل الصحية التى يعانى منها الأغنياء (فمن بين 1233 دواء تم الترخيص لها عالمياً بين عامى 1975و1997، هناك 13 دواء فقط للأمراض الاستوائية)، فإنه يجب أن يعد هؤلاء الأغنياء بشراء مسبق لعدد محدد من الأدوية التى تعالج “أمراض الفقراء” مثل أدوية التدرن الرئوى الذى يؤدى بحياة 1,6 مليون شخص سنوياً. كذلك يتنازل المبتكرون للأدوية عن حقوقهم فى البلدان التى لا يتعدى فيها الدخل السنوى للفرد 1000 دولار، خاصة أنهم يحصلون على ارباح احتكارية فى الأسواق الغنية.


وحول مشكلة “اللامساواة الاقتصادية”, ينطلق “هاوارد جاردنر” (الأستاذ بجامعة هارفارد) من أننا تركنا آلية اقتصاد السوق تتحكم بمصيرنا، وأهملنا معنى الثراء الكافى، فلقد تخطى تراكم الثروة للبعض كل الحدود، فعندما يتمكن مدير صندوق استثمارى شاب من جنى ما يوازى الناتج القومى الإجمالى لبلد صغير، فإن ذلك يشير إلى وجود خلل ما. وعليه يقترح أولا منع أى شخص من جمع اكثر من 100 ضعف ما يجمعه العامل العادى سنوياً، وأى دخل إضافى لابد أن يوهب للأعمال الخيرية أو يعاد للحكومة إما كهبة محددة لأمر معين أو غير محددة. ثانياً يجب ألا يسمح لأى فرد بأن يترك لورثته أكثر من 200 مليون دولار، على أن يحول الفائض إلى الأعمال الخيرية أو الحكومة .


أما عن “فشل المعونات الدولية والمساعدات الخارجية” فى إحداث التنمية المرجوة فى الدول التى تتلقاها, تقترح “إستر دافلو” (أستاذة الحد من الفقر بمعهد مساشوسيتس للتكنولوجيا) حدوث إصلاح جذرى لطريقة تخصيص المساعدات الخارجية بأن توجه إلى تمويل مشروعات لتقديم الحلول المختلفة للمشاكل الأساسية التى يعانيها أفقر مواطنيها، كذلك مشروعات تثبت جدواها، والقبول بالرقابة الصارمة. ووضع معايير مثل رصد عدد الأرواح التى يتم إنقاذها من خطر معين، وحصر عدد الأطفال الذين يتم إلحاقهم بالمدارس .


ونأتى للمشكلة الأخيرة، ألا وهى مشكلة الفقر، حيث يدعو سى. براهالاد (أستاذ استراتيجيات الشركات فى كلية ستيفن إم روس للأعمال بجامعة ميتشيجن) إلى تطوير القطاع الخاص المحلى باعتباره أفضل سلاح ضد الفقر الجماعى، انطلاقا من أنه لا يمكن إنكار العولمة ، فهى مثل الجاذبية، ومن ثم على الدول الفقيرة أن تتحدى الجاذبية – العولمة بصنع طائرة قادرة على التحليق. إن الهدف الملح هو جعل “التجارة” أكثر ديمقراطية، فكل شخص بصفته “مستهلكاً صغيراً” يجب أن تتوافر له منتجات وخدمات عالمية، وعليه يمكن للفقراء أن يكونوا منتجين صغاراً لهؤلاء المستهلكين الصغار فتسهل الحياة على الفقراء، ويستفيدون من منافع العولمة.


القارىء للحلول المختلفة للمشاكل ذات البعد الاقتصادى، بمكنه أن يلحظ بسهولة غلبة التفكير التبسيطى فى التعامل مع مشكلات ذات طبيعة مركبة. ولو أخذنا مشكلة الفقر- كمثال – فإننا لا نجد أى اهتمام بالبحث عن أسبابه، وتقديم حلول تعنى بالقضاء عليه جذرياً. وتتضمن الأفكار المقدمة عودة للأخذ بما يمكن وصفه “بالحلول الخيرية” Charity Solutions, وهو ما كان يؤخذ به قبل التطور الذى عرفه العمل التنموى، بالبدء بتحليل أسباب الفقر، وانه ليس مرحلة “عابرة” أو “قدرية”, وإنما هو نتاج لوضع اقتصادى – اجتماعى مركب يحتاج إلى دراسة موازين القوى للسياق الذى يعيش فيه الفقراء، وعليه لا بد من تجاوز”الحلول الخيرية” التى تعتمد على تلبية العوز الاجتماعى، والاحتياجات الإنسانية المختلفة بالإحسان والهبات والمعونات إلى إحداث تغيير فى الهيكل الاقتصادى بما يضمن نهوضا إنتاجياً يترتب عليه تأسيس بنية أساسية لشبكة أمان اجتماعى وصحى وتعليمى…. الخ، باعتباره حقا للجميع من دون تمييبز، من يملك ومن لا يملك، وليس منحة من طرف لطرف، وتحقيق تطور حقيقى جذرى فى حياة الناس ينقلهم إلى حال أفضل، إن الأفكار المطروحة استمرار لنهج ساد فى السنوات الأخيرة، (امتد للأسف فى مجال العمل التنموى) من خلال المؤسسات الاقتصادية الدولية والعولمة التى تلونت بلون معين، نهج إطلاق نظام السوق القائمة على العرض والطلب والاحتكار… الخ, والاعتماد على حلول ذات صيغ تقوم على الإعانة، تبقى الأمر الواقع على ما هو عليه، ويتحول الأمر إلى إنعاش اقتصادى للشركات بشراء مسبق لإنتاجها، مثلما اقترح فى حالة توفير العلاج للفقراء بدلا من الحديث عن برامج للوقاية الصحية وأنظمة تأمين صحى مقننة، وامتلاك الـ Know How لصناعة الدواء، كذلك تحويل الفقراء الى تجار لتلبية الحاجة للاستهلاك،….

وإهمال التخطيط لما يعرف “بالسياسات الاجتماعية” التى توضع من قبل الدولة تتوزع فيها المسئوليات بين الحكومة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص وفق فهم دقيق لطبيعة العلاقة بين الأطراف، وإدراك أن هناك أدبيات معتبرة، يجب اخذها فى الاعتبار، نقدت هذه النوعية من الحلول وأثبتت أنها مؤقتة وتعيد انتاج المشاكل من جديد.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern