"كوكب الأرض ليس "شركة

’’الآثار الضارة للتغيرات المناخية ليست قدرا محتوما، ويمكن للبشرية مواجهة الأسباب التي أدت للوضع الحرج الذي وصلنا إليه‘‘...والبداية من تصويب نظرتنا لكوكب الأرض بأنه ليس ’’شركة‘‘...
هذه هي المقولة الأساسية التي تنطلق منها "القوة الخضراء" التي

تنتظم حركيا وحزبيا في عديد من بقاع الأرض وتهدف إلى: أولا: كشف الأخطار المحدقة بالبشرية من جراء سوء التعامل مع البيئة والطبيعة. ثانيا: ما سينتج من هذا التعامل السيء على البشرية من أضرار جسيمة في الوقت الراهن. ثالثا: امتداد هذه الأضرار إلى الأجيال القادمة. وتتسلح "القوة الخضراء"، أحزابا وحركات ومساندين وحلفاء، على كشف القوة الشريرة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من "حالة الحافة"، أي حافة الخطر الداهم، بحسب الوصف المعتمد في "الأدبيات الخضراء"...
فلقد التقطت "القوة الخضراء" التعبير الذي ورد في الكتاب الذي كان له صدى كبيرا وقت صدوره في 2013، كما فتح آفاقا ممتدة حول التغيرات الجذرية التي تلحق بالعالم وبمواطنيه، واقصد كتاب: "المستقبل: ستة محركات للتغيير العالمي"، لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق "آل جور"(من 1993 ـ 2001). حيث أشار في عبارة دالة إلى أننا: "نعيش مع، وضمن، شركة الأرض" “Earth Inc.”. وهي الشركة التي اسستها العولمة الاقتصادية. واسست معها بنية جديدة مغايرة كليا عن طبيعة الاقتصاد الذي كانت تعرفه البشرية قبل ذلك من حيث: أولا: رأس المال ومصادره وطرق تدفقه، وثانيا: نمط العمل وعلاقاته، وثالثا: وسائل الانتاج ونوعياتها، ورابعا: هيكلية الأسواق ذات الملمح الاستهلاكي الصريح، وخامسا: تطويع سياسات الحكومات المختلفة لمصالح "شركة الأرض" المملوكة في واقع الحال لقلة، وسادسا: التوظيف في حده الأعلى للمؤسسات الدولية المالية لتيسير عمل الشركة الكوكبية...
لقد ساهم التقدم التقني من: "رقمنة"؛(اعتماد العملية الانتاجية على برامج الحاسوب، والتطبيقات، والكروت الذكية،...،إلخ)، و "أتمتة"؛ (استخدام الآلات بدلا من الإنسان)، على التحول من الاقتصاد النمطي إلى الاقتصاد الجديد ذات الطبيعة الرقمية. ويقول "آل جور" في هذا المقام بأن: "المعارك السياسية بشأن حقوق العمال في النصف الأول من القرن العشرين جرى خوضها لتحديد التوزيع النسبي للدخل من العمالة ورأس المال في المؤسسات ذات النقابات العمالية". لم تعد قائمة بالتمام اليوم. فالتغييرات التي ساقتها التكنولوجيا "تؤدي الآن دورا أكبر بكثير في تحديد مستقبل العمل وما يجنيه" المواطنون في المقابل. فكل "الحجج التي سيقت في السابق اعتمادا على مبدأ معادلة الربح مع الخسارة لم تعد صالحة أو مقنعة في الوقت الذي يمتلك فيه أرباب العمل خيارات متاحة أمامهم وجاهزة ل: أولا: ببساطة إغلاق المصنع أو ووقف الأعمال التجارية وتكرارها في بلد آخر منخفض الأجور، أو ثانيا: استبدال العمالة البشرية بآلات الروبوت والأنظمة الذكية...والمحصلة، وبسبب تزايد الانتاجية ومن ثم الربح لم يعد أصحاب هذه الشركة ’’المتمددة‘‘ العابرة للحدود تعطي بالا ــ أي تغض النظر ــ لأية آثار جانبية سلبية اقتصادية تمس المواطنين من: تراجع كبير في التوظيف، واعطاب شتى في الوضع الاقتصادي. والأهم أن التقدم التقني ــ كما أشرنا ــ قد يسر قدرة متزايدة على "تعظيم الانقضاض على الموارد/الثروات الطبيعية من جهة، والتدافع الشرس على تدمير البيئة من جهة أخرى". وعليه، أصبحت تتعاطى هذه الشركات مع كوكب الأرض كمساحة خاصة مملوكة لها في ظل هذه الشركات العابرة للحدود: المتداخلة الجنسيات، والمتشابكة الملكيات، والدائمة التوسع.
ويمكن القول أن "شركة الأرض"، وبالرغم من أنها فكرة قديمة تعود إلى مطلع السبعينيات من القرن الماضي حيث قيلت في سياق آخر، إلا أن "آل جور" ــ في واقع الأمر ــ يعود إليه الفضل في استعارتها لوصف ما يجري من صراع ضاري بين مالكي هذه الشركة ومصالحهم التي أودت بهم إلى ’’اغتصاب‘‘ حق تملك الأرض. ومن ثم ادارة الكوكب كأنه شركة خاصة مملوكة لقلة فاعلة خفية تتجاوز النظم السياسية والحكومات . ما أدى إلى إطلاق الصراع بين البشر ومستقبلهم على ظهر الكوكب...الذي كانت شرارته المعاصرة الأولى قد انطلقت مع انكشاف مدى الأضرار التي لحقت بالأضرار من جراء النهم الرأسمالي بحثا عن موارد رخيصة لتشغيل المشروعات الكوكبية. وهو ما دفع الكاتبة الصحفية "ناعومي كلاين" ــ التي عرضنا لكتابها حول "الصفقة الجديدة الخضراء"(الصادر في 2019)، الأسبوع الماضي، أن تصف هذا الصراع بوضوح باعتباره صراعا بين "الرأسمالية والمناخ". حيث أن استباحة كوكب الأرض قد نتج عنها اختلالات مناخية سوف تعمل على تدميره. وأن ضحاياه المباشرين هم مواطنو الكوكب وخاصة الفقراء منهم والذين يمثلون غالبية سكان الكوكب...
انطلاقا مما سبق بدأت القوة الخضراء تعي أنه لا يكفي الحديث "التبشيري أو الدعوي" عن أهمية البيئة وضرورة الحفاظ عليها وإنما لابد من دحض فكرة أن "الأرض شركة". كذلك ضرورة مقاومة من يسير هذه الشركة بناء القدرات التي تمكن من صنع حركة كوكبية تدافع عن مستقبل الكوكب ومواطنيه. تقوم هذه الحركة على تبني قيما انسانية/مواطنية تؤسس لما يمكن أن نطلق عليه حق المواطنين في كل مكان أن يكون لهم رأي في التعاطي الصحي والصحيح مع الطبيعة والبيئة بما يعود بالخير العام على البشرية دون خسائر قدر الإمكان. ورفض الحتمية الاقتصادية التي تنطلق من انتصار الرأسمالية التاريخي وخاصة في طبعتها النيوليبرالية التي تبين من خلال الأزمات الاقتصادية/المالية المتعاقبة أنها ليست قدرا محتوما ونهائيا. ما يستوجب نقاش متجدد في كيفية التوظيف الأمثل للتقدم التقني من جهة. والاستخدام النظيف والآمن للموارد والثروات من جهة أخرى...بما يضمن تنمية مستدامة و"مواطنة مستدامة"(تعبير نستخدمه لأول مرة نفصله لاحقا) على "أرض" للجميع...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern