سؤال 2020:ما مستقبل الرأسمالية ؟

’’الرأسمالية تواجه اختلالات ذاتية، وحصادها ليس مُرضيا، ولكن!‘‘...
بهذه الكلمات صدر رئيس تحرير دورية "فورين أفيرز" العتيدة ملف العدد الأول لعام 2020 (عدد يناير وفبراير)الذي خصص لمناقشة قضية: "مستقبل الرأسمالية". ويبدو لي أن هذه القضية سوف تحتل مساحة كبيرة من الحوارات الأكاديمية والفكرية والسياسية في العام الجديد. وقبل عرض

أهم الأفكار التي وردت في الملف المذكور. أشير فقط إلى أن هناك تركيزا في 2020 على فتح حوار موسع متعدد المقاربات حول الرأسمالية ومستقبلها. ومن ضمن هذه الكتابات نذكر: أولا: "مواجهة الرأسمالية في القرن ال21" (400صفحة). ثانيا: "عقد أزمة الاتحاد الأوروبي: "دراسة تحليلية لرأسمالية الاتحاد الأوروبي وممارسته للحوكمة"(240 صفحة). ثالثا: هل من استراتيجية اقتصادية بديلة؟"(260 صفحة). رابعا: "رأسمالية على حافة: كيف يمكن مقاومة الآثار السلبية للرأسمالية والتي خلقت طبقة المنبوذين أن تحقيق تغيرا جذريا لصالح الجميع دون أزمات"(300صفحة). رابعا: "رأس المال والأيديولوجية"(كتاب توماس بيكيتي الجديد مجلد رأس المال في القرن ال21 ، ويقع الكتاب الجديد في 1000 صفحة)...ومن قبل تحدثنا عن دافيد هارفي في 2015وكتابه 17 تناقضا لنهاية الرأسمالية. وفوكوياما الذي وصفته بكاتب النهايات في 2008 بمقاله الهام نهاية الريجانية، وغيرهما...إضافة إلى مقالات الأسابيع الأخيرة حول أزمة اليورو والإقطاع الرقمي...
بالعودة إلى "مستقبل الرأسمالية"؛ وكيف قاربتها "الفورين أفيرز" سوف نجد محاولة ملتبسة لمحاولة تبرير استمرارها كنظام اقتصادي لم يزل لديه ما يقدمه للبشرية. فغالبية النصوص المنشورة في الملف تتسم بالتناقض الحاد. بين الحديث عن نجاح الرأسمالية التاريخي وبين ما نتج عنها من كوارث جسيمة وأزمات حادة.
وللتدليل على ما سبق نستعيد بعض مما ورد في مساهمات المشاركين في الملف مفادها ما يلي: تناقض أول: أن "مزايا الرأسمالية قد فاقت أية تكلفة، لذا لم تزل تسير قدما. ولكن إذا ما استمر يعمل النظام الرأسمالي لصالح من هم في القمة، فقط، سوف نجني المتاعب وتفقد الرأسمالية الشرعية". فلقد ظللنا، نحن "الرأسماليون"، وعلى مدى قرنين ونصف من التاريخ الإنساني نحصد مكاسب الأسواق ونتجنب خسائرها بالحماية والحصانة اللازمتين. ومن ثم تتحملها الأغلبية التي غالبا تدفع ثمن جنون الأسواق...تناقض ثان: "الأسواق التي قادت عمليات النمو على مدى النصف قرن الأخير، ربما، تكون قد أنقذت عددا من سكان العالم من الفقر. خاصة في الصين والهند. إلا أنه لا يوجد انسان قادر أن يقول أن هناك صيغة ناجعة يمكن الاعتماد عليها لإنهاء ظاهرة الفقر. ومن ثم اعتبارها واعتمادها نموذجا للنجاح الاقتصادي. لذا وجب تدخل الحكومات من أجل التنظيم والضبط...تناقض ثالثا: هو اعتراف البعض بوضوح بأن الرأسمالية تعاني أزمة حادة. والأهم اتهام "القلة الثروية" بتعظيم ربحها لأقصى حد ممكن، وحماية مصالحها وتحويل ممتلكاتها لمحميات تحول دون أي اقتراب من أي نوع. مقابل تجويع الدولة وغالبية مواطنيها. ولتصويب ما سبق لا حل إلا بزيادة الضرائب. ولاشك أن الأطروحات السابقة قد اجتهدت في تحليل الوضع القائم إلا أن الاستجابات لم تكن على مستوى التحديات التي تم عرضها. وهنا تكمن التناقضات بين: نجاحات السوق وتدخل الدولة، وبين اقتصاد يعمل للأثرياء وأثمان يدفعها الفقراء، وبين قلة محمية وأغلبية مستباحة،...نعم تتضمن المساهمات الكثير من النقد للنظام الرأسمالي ولكنه نقد لم يصل إلى العمق. كما لم يقل لنا كيف يمكن علاج الاختلالات البنيوية لنظام كثرت أزماته وتكررت منذ مطلع الثمانينيات القرن الماضي وإلى الآن. حيث شهدت البشرية ما يقرب من 200 أزمة متفاوتة التأثير والأثر لم تستثن دولة من الدول من ملامحها: ارتفاع نسبة الفقر، وتدهور الطبقة الوسطى للحد الخطر، وتدمير الكوكب بالإخلال بتوازنه البيئي، وإنضاب لموارده،...،إلخ.
وظني أن المساهمات المطروحة بما تحمل من تناقضات سوف تثير القلق والتفكير أكثر مما ستبرر استمرار تصديق الوعد بالثراء والحرية وانعكاس ذلك على البشرية بالاستقرار والازدهار. فالثراء كان للقلة. حيث تراجعت دخول الأغلبية. وبالنتيجة تنامت اللامساواة لحد غير مسبوق تاريخيا، وغابت العدالة،...بلغة أخرى، "فرأسمالية/نيوليبرالية أو شبكات الامتيازات المغلقة (تعبير نستخدمه منذ 2009) التي نمت تحت شعار أعلى ربح على حساب الأغلبية" لم تعد صالحة...خاصة مع الثورة الصناعية الرابعة التي سوف تقلل العمالة التقليدية إلى أقل من 5% في 2025 من إجمالي قوة العمل العالمية. (كانت تزيد على ال50% حتى الثمانينيات من القرن الماضي)...
وكانت أكثر المساهمات راديكالية وأهمية هي ما طرحته باحثة شابة من ليبيريا، كانت قد هربت مع أسرتها من نيران الحرب الأهلية إلى المملكة المتحدة، درست في أوكسفورد أسمها "مياتا فان بيوليه"، وحصلت على الدكتوراه من مدرسة لندن للاقتصاد الشهيرة. وفي مقالها المعنون: "انهيار النيوليبرالية"؛ تلفت النظر إلى الأعراض المستمرة للأزمة الاقتصادية الأسوأ في التاريخ والتي تتضمن: ثبات الدخول، وتمركز الثورة في أيدي القلة، والكارثة البيئية المؤكدة التي تلوح في الأفق،...،إلخ. وهي كلها أعراض تعكس أن الرأسمالية تعاني مرضا عضالا. فلقد بلغت الرأسمالية، في رأي "مياتا"، حدها الأقصى"، ولم تعد الأسواق هي الخيار الاقتصادي الأمثل....وعليه، تطرح ضرورة الحاجة إلى "نموذج اقتصادي جديد"؛ يوسع من الشراكة المواطنية في السلطة والثروة...حيث يتم "حقن" الواقع الراهن بقدر من المثاليات الاشتراكية الاجتماعية أو ما بات يُعرف في الأدبيات الجديدة "الاشتراكية الجديدة " كبديل لليبرالية الجديدة...ما يعني إعادة النظر في العقد الاجتماعي القائم منذ تاتشر ــ ريجان...هذا هو الحوار الجاري الآن في كثير من المحافل...سوف نتابع جديده انشاء الله...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern