حرب أكتوبر: إرادة حياة وفعل تجدد

من أكثر اللحظات التاريخية التي اجتمع عليها المصريون باعتبارها اللحظة الأجل والأعظم والأعز في تاريخ مصر هي حرب أكتوبر عام 1973...
ونحن حين نحتفل بهذه المناسبة في كل عام لا نتذكر تاريخا لحدث. وإنما نعيش فعلا حيا لم تزل أثاره ممتدة عبر الزمن...وسيظل حيا إلى ما شاء الله...وفي هذا المقام أذكر عبارة هامة أطلقها أحد الاستراتيجيين الكبار ضمن دراسته المرجعية حول حرب أكتوبر يقول فيها: "ما أن نتذكر حرب أكتوبر

علينا ألا نتناولها كحدث تاريخي ومن ثم نتذكرها من باب الذكريات وإنما علينا انطلاقا مما يفرضه الواجب الوطني أن نعي دروسها"...
إنها الحرب التي كانت بالنسبة للمصريين قيادة وشعبا تعني الحياة والتجدد.
فإما أن نكون أو لا نكون...
لذا فإنها حملت "معنى حضاريا" مركبا.
فلقد كانت كسرا للانكسار ـــ بحسب أنور عبد الملك ـــ وميلاد جديد: "حقيقة وحقا"...فماذا نقصد بذلك؟
أولا: حقيقة؛ مادية ملموسة تمت بأيدي وعقول وإرادة مصرية. لا يمكن تجاهلها أو إنكارها. ولن يكون بإذن الله. كما باتت درسا تاريخيا مرجعيا في كتب التاريخ والاستراتيجيات العالمية. حيث تعتبر العبور، وهدم خط "بارليف" من: "أرقى المستويات الحربية التي جرت: تقنيا وفنيا، في تاريخ الحروب سواء في التصور الاستراتيجي أو الإنجاز التكتيكي الميداني".
ثانيا: وحق؛ من حيث إنها جسدت الإرادة الوطنية المصرية في أروع صورها. وأبدعت في كيف يكون التخطيط، وقيمة الأخذ بالعلم. وتجلت قدرتها الكامنة في القدرة على استعادة الأرض بالقوة عند اللزوم. وخوض عمليات عسكرية "مُعجزية" من: عبور، وهدم لأحد الموانع العسكرية الجبارة. وذلك من خلال سيمفونية عسكرية تناغمت فيما بينها الأسلحة المتنوعة من: طيران، ومدفعية، ومدرعات، ودفاع جوي، ومشاة، وعمليات خاصة، وما بات يعرف "بالمدفعية المائية"، ومهندسين،...،إلخ...
فلقد قدمت حرب أكتوبر نموذجا لكيف تكون "اللُحمة الوطنية". وكيف يكون "الكل في واحد"...سواء على مستوى الرؤية الفكرية الاستراتيجية الحاكمة للقيادة أو على المستوى العملي الميداني...ويعكس نص توجيه القيادة العسكرية المصرية لجيش مصر الوطني ما سبق...ونقتطف منه ما يلي:
’’...ثقتي فيكم بغير حدود، أثق في كفاءتكم، أثق في إيمانكم بالله، وفي قضيتكم، قضية المصير...أن نكون أو لا نكون...لم يعد هناك طريق مما نحن فيه إلا أن نشق الطريق نحو ما نريد عنوة، وبالقوة تحت أفق مشتعل بالنيران"...
ولا يفوت التوجيه الوطني العسكري أن يستحضر ما يضمن وحدة المصريين، وتماسكهم، واستنفار هممهم، وبذل كل ما يستطيعون من أجل مستقبل الأجيال القادمة. وذلك بالاستشهاد بنصين: الأول من القرآن الكريم. والثاني من الكتاب المقدس كما يلي:
أولا: النص القرآني: نص من سورة "التوبة"(آية 111) يقول: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن. ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به. وذلك هو الفوز العظيم".
ثانيا: النص الإنجيلي: من انجيل متى (الاصحاح 10 العدد 39) يقول:
"من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها".
كما يدعو، النداء، من "جيش الشمس"(ورثة رمسيس الثاني بحسب المخرج الكبير شادي عبد السلام)، بالحركة: "إلى الأمام أيها الأبطال...إن المعركة القادمة ستحدد مصير مصر وكرامة مصر، ومستقبلها لمدة لا تقل عن مائة عام"...
وهكذا عكس النداء أو التوجيه مصر: "المُركب الحضاري بعناصره الفاعلة بغض النظر عن الأوزان النسبية للعناصر"...كما عبر النص، وفي الميدان لاحقا، عن اليقظة في التأكيد على "المصرية" التي تتسم بثلاثة عناصر كما يلي: أولا: "التربيط" بين المصريين على مر الأزمنة والأجيال. وثانيا: "التوحيد" بينهم على اختلافاتهم الثقافية. وثالثا: "التصالح" بينهم في مواجهة الملمات...
في هذا المقام، تألقت أسماء(نجوم) لامعة في السماء هزت ببطولاتها وتضحياتها وابداعاتها كل المصريين...
أسماء لا يقف المرء عند هويتها،
وإنما يتوقف أمام ما قدمته من "إقدام وجسارة وابداع ومهارة"...يرصد بعضا منها أستاذنا وليم سليمان قلادة مبكرا كما يلي:
غريب وشنودة،
بدوي وغالي،
سدراك وعبد العاطي،
متري والمنصوري،
وباقي و أحمد...
حيث وحد الدم المبذول، دفاعا عن مصر ومستقبلها، بين المصريين...
فكانت النتيجة أنهم صنعوا نصرا ملحميا تاريخيا جسد المواطنة الباذلة...والوطنية بلا حدود من أجل أن يبقى الوطن شامخا وناضرا للأجيال القادمة وإلى ما شاء الله...
ومن ثم فنحن عندما نسطر هذه الأسطر لا نهدف أن نتذكر فحسب ما جرى في حرب الاستنزاف التي كانت مقدمة لحرب أكتوبر وعبور القناة في السادس من أكتوبر من عام 1973. وإنما مقصدنا أن نستلهم حالة من حالات "الحق" "الحقيقية" في تاريخنا يمكن أن تكون "بوصلة" ترشدنا في شتى مجالات حركتنا: الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والمدنية، والثقافية،...،إلخ...
خاصة وأن حرب أكتوبر، قدمت، نموذجا يحتذى ويقتدى به من حيث:
العلم والتخطيط الاستراتيجي الشامل،
والجماعية الوطنية،
والتضحية بلا حدود،
وحماية مقومات مصر الحضارية...
وكلها عناصر نحتاج أن "نعتصم" بها...و"نتوحد" حولها...ونتوافق أنه دونها لا يمكن أن نتطلع إلى المستقبل ونتقدم... هذا نص ألقيته في إحدى الاحتفاليات، أعتز به، ونتابع لاحقا أثر حرب أكتوبر المذهل على المنظومة السياسية والاقتصادية العالمية...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern