في ضرورة التعاون من أجل البقاء

عكست حوارات قمة المناخ التي عقدت في نيويورك تحت مظلة الأمم المتحدة وبدعوة من أمينها العام في 24 سبتمبر الجاري. مدى خطورة ما يتعرض له كوكب الأرض من أخطار مدمرة من جراء ممارسات تنموية تؤدي إلى تدمير البيئة من جهة. والاصرار على استخدام تقنيات معالجة للطاقة ينتج عنها انبعاثات غازية تسبب "الانحباس الحراري" ما يسبب ارتباكات مناخية تهدد مستقبل كوكب الأرض وحياة مواطنيه بنهاية كارثية...


كما أكدت القمة كيف أن الاستجابة لحقيقة "الخطر الداهم" الذي يحيط بالكوكب ومواطنيه لم تزل ضعيفة وغير جدية بحسب المعلقين والمتابعين. فها هي الولايات المتحدة الأمريكية في ظل ادارة ترامب لم تشارك في أعمال مؤتمر هذا الشهر بعد أن أعلنت انسحابها من اتفاقية باريس المناخية والتي تم التوافق عليها في ديسمبر عام 2015. ومن ثم تحللت من أية التزامات فنية ومالية كانت قد ألزمت نفسها بها. كما لم يتخل اقتصادها ــ الذي يعد الاقتصاد الأول بالاشتراك مع الصين ــ عن ممارسة التقنيات الضارة بالبيئة.(يشار أن ترامب فاجأ المشاركين بحضوره إلى المؤتمر حيث بقي لدقائق استمع فيها لجزء من كلمة رئيس الحكومة الهندية "مودي" وسرعان ما غادر اللقاء).
وفي نفس الوقت، بين اللقاء كيف أن الدول الغنية الموقعة على اتفاق باريس لم تف بتعهداتها كاملة. وأنها أثارت جدلا طويلا حول لماذا لا تلتزم دول الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالمساهمة في دعم مواجهة سوء التعاطي مع الطبيعة وما ينجم عنها من تغير ات مناخية ومن ثم أضرار بيئية مثل: أولا: ذوبان الجليد. وثانيا: ارتفاع مستوى المياه وحدوث السيول والفيضانات المدمرة. وثالثا: احتراق الغابات. ورابعا: الأضرار الصحية المميتة والبيئية المدمرة التي يحدثها الانبعاث المتزايد لغاز الكربون. وخامسا: التصحر. وسادسا: خسارة التنوع البيولوجي.
وبين الهروب الأمريكي والصيني والكوري والأسترالي والسنغافوري والتراوح الأوروبي، كانت القوة الخضراء من ممثلي الأحزاب والجماعات المدنية حاضرة في اللقاء والشوارع المحيطة به لتلعب دورا ضاغطا على الدول من أجل أخذ الشأن المناخي مأخذ الجد اللازم. خاصة مع تفاقم الأحوال المناخية والبيئية. فلقد كان من المتفق عليه في اتفاق باريس ــ 2015،أن يتم تفعيل الكثير من المقترحات. حيث بحلول 2019 يكون قد تم: أولا: التحكم في ضبط الارتفاع في درجات الحرارة. ثانيا: دفع الدول بالالتزام بالتحول من استخدام الطاقة القديمة التقليدية إلى ما يعرف بالطاقة المتجددة(الرياح، والشمسية). وثالثا: خفض الانبعاثات الغازية الضارة والتي تؤدي إلى الاحتباس الحراري إلى الصفر. ورابعا: تعميم الإدارة وفق التنمية المستدامة للغابات والمساحات المائية من محيطات وبحار وأنهار. وخامسا: اتباع ما بات يُعرف بالاقتصاد الأخضر الذي راعي إلى حد كبير عدم إحداث أضرارا بيئية قدر الامكان.
الأمر الذي أدى بالأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" أن يحذر من "غضب الطبيعة"، و"الآثار الكارثية للتغيرات المناخية". ما دعاه ــ بوضوح ــ إلى ضرورة إحداث تغير جذري في طبيعة المحركات الاقتصادية الراهنة وفي مقدمتها نوع الطاقة المستخدمة...وأنه لم يعد هناك وقت "للكلام". وفي هذا الإطار طرحت القوة الخضراء أطروحة نقدية شاملة للنظام الاقتصادي العالمي السائد وممارسات الشركات العابرة للجنسيات والحدود المملوكة للدول الغنية "الفاقدة للحساسية البيئية" والاجتماعية وضرورة ادراك أهمية التخلي عن الممارسة الاقتصادية الشرسة حيال الطبيعة والبيئة والانسان. والتحلي بقدر من المسئولية إزاء المستقبل. أو ما أشار إليه تقرير "جيران في عالم واحد" الالتزام "بنهج أخلاقي لإدارة شئون المجتمع العالمي". فلم يعد مبدأ "المسئولية الاجتماعية" كافيا كي تبريء الكيانات الاقتصادية ذمتها مما تحدثه من تدهور للطبيعة والبيئة. خاصة وأنه يجور على حقوق الأجيال القادمة. لذا يؤكد الفاعلون في هذا المقام على ضرورة أن تمارس هذه الكيانات مسئولياتها إزاء المجتمع والبشرية من منظور "المواطنة"...أو ما بات يعرف في الأدبيات المعتمدة ب “Corporate Citizenship”؛ وهو ما اجتهدنا في ترجمته "بالمواطنة الشركاتية".(وقد قاربنا مبكرا هذا الموضوع في نفس هذا المكان). حيث بموجبه يكون للشركات دور مع الحكومات في بلورة السياسات المجتمعية الشاملة التي تصب صالح المواطنين وحقوقهم بما يؤمن الرفاه والعدالة والتنمية والحياة الكريمة للجميع دون تمييز بدينامية مستدامة. ما يستدعي ابتكار أنماط تتسم بالاستدامة انتاجيا واستهلاكيا.
وبعد، لم يعد هناك مفر، ومن أجل بقاء الكوكب وكتلته البشرية المليارية، من تعاون الجميع (إذا ما استعرنا عنوان العمل المهم لعالم الاجتماع الأمريكي ريتشارد سينيت ــ 1943 ــ الحائز على جائزتي هيجل وإسبينوزا العالميتين عامي 2005 و2006 على التوالي. وربما نتحدث عنه وعن مساهماته الجادة تفصيلا لاحقا) من أجل الحيلولة دون العبث بمقدرات الطبيعة والبيئة، وانضاب الكوكب من موارده وتسليمه للأجيال القادمة خاليا من ثرواته وجماله "الرباني" وتوازنه الطبيعي...
وهو الأمر الذي يحتاج إلى ما يلي: "التزام سياسي متعدد الأبعاد، وابتكار اقتصادي ذات حس اجتماعي، وشراكة مواطنية فاعلة"...
ومن ثم لابد فورا من العمل سويا كمنظومة دولية، واقتصادية، ومدنية من أجل "بلوغ عالم/كوكب خالٍ من الكربون خلال الثلاثين عاما القادمة". ما يضمن أولا: البقاء الآمن للجنس البشري، وثانيا: الحفاظ على نضارة الكوكب، وثالثا: حيوية نظامها البيئي، ورابعا: تنوعها الحيوي. خامسا: الرفاه التنموي للجميع الفقراء والأغنياء على السواء وقدر الإمكان...نتابع...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern