(1)
ألمانيا 2013: اكتشاف باحث رصين وإنسان نبيل
فى نوفمبر من عام 2013 دعيت إلى ندوة بألمانيا فى إطار سلسلة ندوات بعنوان «الحوار المصرى الألمانى» كانت تتم بالتبادل بين مصر وألمانيا منذ عام 2005 تحت رعاية منتدى الحوار بالهيئة الإنجيلية وأكاديمية اللاهوت «بلوكوم». وكان هذا هو اللقاء التاسع (فيما أذكر).
وكان هناك حرص دائم على أن ضم وجوها بحثية شابة للجولات الحوارية إضافة للأعضاء المؤسسين. ومن ضمن الوجوه البحثية الشابة التى لفتت النظر بقوة فى هذا اللقاء «زياد عقل» الذى قدم ورقة بحثية متميزة بلغة إنجليزية رصينة عنوانها: «المواطنة وإدارة التنوع الدينى فى مصر: النظرية، التاريخ، والنضال»؛.. وكانت مساهمته ــ أشهد من واقع اهتمامى ومتابعتى لمفهوم وتطبيقات المواطنة ــ غاية فى التميز.. وكانت مدخلا للتواصل الفكرى الذى كان ثريا وعميقا يعكس كيف اجتهد بدأب ليقدم نصا معتبرا. شجعته بإلحاح على أن يطور الورقة. وكم كان منفتحا بصدق، ومُنصتا باهتمام للملاحظات.. ولم يقف التواصل عند الأمور البحثية إنما امتد لكثير من أمور الحياة: الموسيقى، والكرة، والفن، والثقافة الغربية،...،... وهكذا كان «زياد» بالنسبة لى «اكتشافا بحثيا عميقا وانسانيا جميلا».. انتهى اللقاء على أمل التواصل فى القاهرة.. وهو ما لم يحدث.. حتى جاء يوليو 2020.
(2)
يوليو 2020: قراءة فى عمل فكرى أصيل
فى إطار مواصلة الكتابة عن «سلسال الإبداع» فى مصر قررت أن أكتب عن عدة دراسات وترجمات أنجزها باحثون مصريون واعدون (سلسلة نشرت فى خمس حلقات مطلع يوليو الماضى)، فاخترت عدة كتب منها كتاب: «الخضوع والعصيان: الحركات السياسية فى سنوات التحول». فوجدت أننى أمام دراسة رائدة: «نظريا وتطبيقيا»، (دار المرايا ــ 2018)، مكتوبة عن علم أصيل ومعايشة حقيقية لتفاصيل حية ومثيرة وملتبسة عشناها.. فجاءت معالجته مركبة وظف فيها نظريات جديدة لأكثر من حقل معرفى لفهم البيئة السياسية المصرية المتحولة وتفاعلات أطرافها المتشابكة.. بحثت عن رقم هاتفه واتصلت به وعبرت له عن متعتى بقراءة الكتاب وتقديرى لمقاربته غير النمطية والتى تعكس تمكنه من جديد المعرفة السياسية والاجتماعية.
جاء صوته جليا بالفرح والتهليل، مُقدرا اهتمامى وامتنانه بتقديرى باجتهاده ملمحا بحياء عدم اهتمام أحد بالكتاب كذلك أمور أخرى.. وقلت إننى سوف أكتب عنه فى «سلسال الإبداع».. شكرنى وقال إن الكتاب هو ثمرة رسالة الدكتوراه التى حصل عليها من جامعة ليستر.. أجبته لم أكن أعرف ويهمنى أن أحصل على نص الرسالة إذ إننى أتابع ما يصدر عن هذه المرحلة من رسائل وكتب.. أرسلها لى بالفعل فى 22 يوليو الماضى.. كانت تحمل العنوان التالى: «ثورة مصر: الحركات الاجتماعية فى بيئة سياسية متغيرة من 2011 ــ إلى 2015».
اطلعت عليها فورا ووجدتها «لا تقل قيمة عن مثيلاتها التى صدرت فى الأكاديمية الغربية».. وأستطيع أن أجزم أنها أهم بكثير مما كتبه بعض الغربيين أو الباحثين المصريين «المتغربنين»، ووعدته أننى سأكتب عنه فى هذا الإطار قريبا.. لا أستطيع أن أصف مدى سعادته التى تنم عن شخصية إنسانية «مُحبة ونقية وبريئة وممتنة وشاكرة وزاهدة».
(3)
أغسطس 2020: اتصال هاتفى حميم للغاية
فى ليلة عيد العذراء (22 أغسطس الماضى) وجدت «زياد» يتصل بى ليهنئنى بعيد العذراء.. وكان حميما للغاية.. تحدثنا فى أمور عدة ولكنه ركز على الموسيقى التى درسها فى الجامعة الأمريكية كمادة مكملة للتخصص فى العلوم السياسية.. وكان اتصالا حميميا للغاية.
(4)
سبتمبر 2020: غياب مفاجئ
وجاء خبر رحيل «زياد عقل» المبكر مؤلما.. فلقد فقدت الجماعة البحثية ــ يقينا ــ باحثا كبيرا واعدا.. وفقد محبوه ــ للأسف ــ إنسانا نبيلا وحقيقيا غير تقليدى أو مصطنع.. كى ينضم لعقول مصر الكبيرة والهامة التى رحلت «خلسة».. ولأنها لم تكن منضمة لشلة أو تابعة لمؤسسية مغلقة نسيت مثل: أنس مصطفى كامل، ونزيه نصيف الأيوبى، وأحمد عبد الله رزة، وغيرهم،.. أتمنى أن يدفعنا رحيل
«زياد عقل» المبكر أن ننتبه لقيمة من أنجز ونمنحهم بعض التقدير.. رحم الله «زياد عقل» ــ إحدى حلقات سلسال الإبداع فى مصر ــ وألهم أسرته وأصدقاءه الصبر والسلوان