’’الخطر القادم الذي يتهدد الكوكب ومواطنيه هو الخطر الناجم عن التغيرات المناخية...وهو خطر تفوق خسائره الخيال. ذلك لأنه سيحرق الأخضر واليابس...فماذا نحن فاعلون؟...
تحاول دورية "الفورين أفيرز" الأمريكية الشهيرة المعتبرة، الإجابة عن هذا السؤال في عددها الصادر هذا الشهر( مايو/يونيو 2020) من خلال الملف الذي خصصته حول الأخطار الناجمة عن التغيرات المناخية وتداعياتها الكارثية على البيئة ومواطني العالم تحت عنوان: "الحريق: المرة القادمة"...
تنبه فيه بأن الأزمة التالية التي سيواجهها الكوكب ومواطنيه بعد أزمة فيروس "الكورونا/الكوفيد ــ 19"، ستكون حريقا ــ بالمعنى الحرفي الدقيق ــ يلتهم العالم ومن فيه بفعل الزيادة في درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية تاريخيا. وهي الزيادة الناشئة عن ما بات يُعرف "برأسمالية الكوارث" ــبحسب تعبير ناعومي كلاين ــ التي استباحت الإخلال بالتوازن الطبيعي/البيئي للكوكب بانضابه وانهاكه بلا حسيب ولا رقيب....ففي هذا الملف تدق دورية الفورين أفيرز" ناقوس الانذار. وتوجه إلى ضرورة أن يتعلم المجتمع الدولي من الدروس المستفادة من إدارة الأزمة الفيروسية لتجنب الأزمة الطبيعية/البيئية القادمة.
عرضنا في الأسبوع الماضي إلى رأي الخبراء السياسيين والاقتصاديين والمناخيين والهندسيين. واليوم نعرض للمهام والأدوار التي يجب أن يضطلع بهاكل من: أولا: القطاع الخاص(البيزنس)، وثانيا: المجتمع المدني. وثالثا: دول الجنوب.
فيما يتعلق بالقطاع الخاص؛ تشتبك ربيكا هاندرسون(الأستاذة جامعة هارفارد ومؤلفة كتاب كنا أشرنا إليه من قبل هو " إعادة تخيل رأسمالية في عالم يحترق") مع رموز "البيزنس" في ضرورة أن يتبنوا "الأجندة الخضراء" أو جدول الأعمال الأخضر ليكون نبراسا لأعمالهم ومشروعاتهم فورا.ذلك لأنه لا يمكن الاستمرار في الأخذ بما أطلقت عليه "الاقتصاد الكربوني" أو الاقتصاد الذي يعتمد على طاقة ينتج عن احتراقها عوادم ضارة بالإنسان/المواطن وبالبيئة ذات نسب عالية من الكربون. ما يستدعي أولا: تفعيل كل ما من شأنه الوقف الفوري لاستخدام الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية المهددة للحياة.
ثانيا: التحول التام في منظومة الطاقة العالمية من الطاقة الكربونية الضارة إلى الطاقة النظيفة. وتلفت الباحثة النظر إلى أن مركزة الثروة المالية والاستثمارية العابرة للحدود عبر البورصات تجعل من "الخطر المناخي خطرا استثماريا" “climate risk is investment risk”؛ ومن ثم بدء ادراجه في حسبة الأخطار الاستثمارية. وعليه بات هناك توافق بين بيوت الخبرة المالية على اعتبار "التغير المناخي التهديد الأخطر على قطاع البيزنس في العموم وعلى القلة التي تتحكم فيه عبر البورصات والأسواق والبنوك العالمية(أكثر من ثلث رأس المال العالمي المستثمر والبالغ ما يقرب من 20 تريليون دولار مملوكة ل100 من كبار مستثمري العالم). في هذا الإطار، رصدت الباحثة الكثير من الجهود البازغة للضغط في اتجاه تغيير مسار القطاع الخاص والاستثماري نحو الاقتصاد الأخضر ومنها "مجموعة حركة المناخ 100 +"التي تتألف من مستثمرين بالأساس.
وحول المجتمع المدني؛ تشدد "كاتيبوجمانماكلويد"(إحدى قيادات المؤسسات المدنية الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية)على أهمية دوري قادة المحليات والمجتمع في تعزيز الوعي والسلوك البيئيين للمواطنين من أجل إحداث تغيرات جذرية في كيفية التعاطي والتعامل مع البيئة. ومن ثم تعرض لكثير من المبادرات/الخبرات الميدانية التي تمت في كثير من الولايات الأمريكية وكان لها أثر كبير في تقليل الآثار الضارة لسوء التعامل مع البيئة مثل الأخذ بما يلي: السطح الخضراء التي تمتص حرارة الشمس، الدهانات العازلة والمانعة للأثار الضارة للمواد الكيميائية وللحرارة، عدم استخدام مواد مسببة للأضرار والأمراض،...،إلخ. إطلاق مبادرات مثل: "اجعلها باردة"، و"لتكن نظيفة وخضراء"...
وحول دول الجنوب؛ يكتب "محمد أدو"(مؤسس ومدير إحدى مراكز التفكير الإفريقية بكينيا) عن تجربته كمواطن ولد ونشأ وعمل في القارة الأفريقية كيف جعلته يدرك تماما "الكارثة المناخية". أي أن مقاربته لهذه الأزمة ليس منبعها رؤية نخبوية بقدر ما هي نتيجة خبرة حية قاعدية ميدانية. فلقد عايش ظاهرة "الجفاف" وتداعياتها على كل من الإنسان والحيوان والبيئة. وكيف تسارع معدل حدوث الجفاف في السنوات الأخيرة(كان الجفاف يحل مرة كل 10 سنوات. ولكنه بات ضيفا ثقيلا يتكرر قدومه مرات في العقد الواحد).
صحيح أن التغيرات المناخية بما تسببه من أضرار كارثية على الإنسان والطبيعة والبيئة لم تعد تفرق بين موضع جغرافي وآخر على ظهر الأرض. إلا أن هذه الأضرار تكون أكثر وضوحا في دول الجنوب لأن اقتصاداتها ــ بدرجة أو أخرى ــ لم تزل تقليدية. وليس لديها القدرات المالية والعلمية على التبني الشامل لجدول الأعمال الأخضر على المستويات: الصناعية، والتقنية، والصحية،...،إلخ. ما دفعه لطرح فكرة مفادها بأن "عمليةتكيف الكوكب لتفعيل الأجندة الخضراء هي مسئولية عالمية".
وأنه لم يعد مقبولا "التعاطي التسكيني" للأزمة الكارثية من خلال نوعية المنح والقروض الحالية. كما أدان بوضوح التراجع المُعلن عن الوعود التي تم الالتزام بها من قبل الدول الكبرى والاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية لدعم مواجهة الأزمة الكارثية.
الخلاصة، إن المهمة الأساسية أمامنا الآن هي مقاومة "الحريق القادم" من خلال مهمة محددة وواضحة ومباشرة تتكون من الآتي: أولا: "احتجاز الكربون" في كل مجالات استخدامه الراهنة. وثانيا: الانتقال إلى مصادر للطاقة آمنة من الكربون. ثالثا: الأخذ باقتصاد داعم "للأجندة الخضراء". أو اقتصاد "خالي من الكربون" “Decarbonized”. رابعا: تغيير بعض الإجراءات الاقتصادية المالية لتكون في خدمة البيئة والإنسان.خامسا: دعم المجتمع المدني لإطلاق المبادرات الخضراء سواء التي تم الأخذ بها في بعض الأحوال أو الحبيسة الأدراج. سادسا: أن تأخذ دول الجنوب بمقاربات تنموية مستدامة تستفيد فيها من امكانياتها الذاتية النضرة والثرية والبكر...