قبل شهرين، فقط، لم يكن للمرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية القادمة، "جو بايدن" ــ الصامت ــ أية حظوظ في إمكانية أن يفوز بكرسي رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أمام المرشح الجمهوري ــ الصاخب ــ "ترامب"...
إلا أن جملة أمور قد حدثت في وقت واحد ساهمت في أن تجعل "بايدن" منافسا حقيقيا "لترامب"، وتسخن سباق الرئاسة المقرر أن ينطلق في نوفمبر القادم كما هو مقرر حسب التقليد الدستوري الأمريكي، ذلك لأن هذا السباق سيجرى بين "نقيضين"أحدهما "صاخب" والآخر "صامت"...وكلاهما: "الصاخب والصامت" قد اختبرا الحكم كل على طريقته...
"الصاخب": ترامب؛ عبر مدة رئاسته الأولى(2016 ــ 2020)والذي يطمع في ان يحصل على فترة ثانية. والثاني: "الصامت"؛ من خلال نيابته لأوباما على مدى دورتين رئاسيتين(2009 – 2016)...ولكن ما هي هذه الأمور التي تفاعلت معا في تنشيط السباق الرئاسيوجعل "الصامت" مرشحا محتملا، واهتزاز موقف "الصاخب"؟...للإجابة على هذا السؤال نقول أن الإخفاقات كانت هي العنوان العريض الذي يمكن أن نُعرف به سنوات الحكم "الترامبي".إخفاقات بسبب سوء الأداء حيال كثير من القضايا والملفات قبل الجائحة وبعدها. ناهيك عن الخفة الترامبية التي أدت إلى إخفاق جسيم في إدارة الجائحة الفيروسية...كيف؟
قبل الجائحة؛ يمكن أن نشير إلى حدوث عدد من الإخفاقات غير المسبوقة في تاريخ الإدارة الأمريكية منها: أولا: الروح الثأرية التي سلكها ترامب في محاولة تصفية تراث "أوباما" السياسي والتشريعي ــ بغض النظر عن نجاعته فلسنا في مجال تقييمه ــ بطريقة فجة تؤجج الانقسام السياسي وتجعل الصراع بديلا للتنافس الديمقراطي. ما أثار بعض من الجمهوريين على ممثلهم "الصاخب".
ثانيا: التدخل السافر في مهام معاونيه. ما دفع إى استقالة الكثيرين منهم لعدم قدرتهم عمليا عن ممارسة صلاحيتهم التي خولها لهم الدستور. ما وسم إدارة ترامب بأكثر الإدارات الرئاسية الأمريكية تعرضا لاستقالات عناصرها الوظيفية. ونشير هنا إلى أن هناك ما يقرب من 55ممن عملوا في إدارة "الصاخب" قد استقالوا خلال على مدى سنتين ونصف من إجمالي مدة الرئاسة البالغة أربع سنوات. وبعضهم لم يحتمل العمل مع "الصاخب" سوى أسابيع قليلة مثل "مايكل فلين" الذي استقال في 13 فبراير 2017 أي بعد أقل من شهر من تولي ترامب مسئوليته الرئاسية في 20 يناير 2017...ما ولد عزوفا على قبول تولي هذه المناصب أو السعي لملء الوظائف الشاغرة(ظلت هناك ما يقرب من 400 وظيفة شاغرة ولم يعين ترامب حتى مطلع سنة حكمه الثالثة سوى 80 وظيفة من أصل 562 وظيفة رئاسية)...
ثالثا: اقراره بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من كثير من المواضع الجغرافية والمحافل والمؤسسات الدولية. وإخلاله بكثير من الالتزامات التي تتعلق بالمواثيق الدولية.والأهم والأخطر تخليه عن الحلفاء التقليديين تاريخيا. ما أدى في النهاية إلى تكريس ما وصفناه منذ أسبوعين "باللانظام العالمي".
رابعا: تحيزه الفج ضد السود لصالح ما وصفته مرة " بجماعات الكراهية البيضاء". ما صب في اتجاه تكريس الانقسام والتصدع المجتمعي: العرقي والطبقي. وهو ما تجلى بوضوح في تعليق "الصاخب" على واقعة "تشارلوتسفيل" بولاية فرجينيا ــ 2017. وبلغ الذروة مع خنق "جورج فلويد" مطلع يونيو الماضي.
خامسا: التصعيد الحاد ــ غير المحسوب بحسب كثير من المراقبين ــ للحرب التجارية بينه وبين عدد من الدول وعلى رأسها الصين لدرجة بلغت حد الخطر الداهم على قطاعات متنوعة من الأمريكيين: الأغنياء والفقراء على السواء. وتأكد انفراده الشخصي بهذا التصعيد على عكس رغبة النخبة الجمهورية التقليدية من جهة. ومن جهة أخرى، الكتلة الريفية التي توسمت خيرا في ظل رئاسته التي خزلها بامتياز.
سادسا: تورطه في علاقات كواليسية غامضة مع دول أخرى استدعت محاكمته محاكمة برلمانية.
حلت، في هذا السياق، الجائحة الفيروسية وما تداعى عنها من كوارث متزامنة: اقتصادية، وعنصرية. صحيح لم تفرق الجائحة بين أحد . ولكن طال الفيروس الفقراء بنسبة أكبر حيث يشكل السود نسبة 60% من إجمالي الفقراء المصابين. لذا جاءت عملية خنق "فلويد" المشؤومة لتفتح المجال لكثير من المراجعات...لذا وصفناها ب"10 دقائق هزت أمريكا"...وفي هذا المقام نشير لكتابي بولتون وماري ترامب وأكثر من 60 كتابا حول ترامب)...
وعليه ومن محصلة اخفاقات ما قبل الجائحة وما بعدها، صعد نجم "بايدن" الذي يراه الكثيرون صامتا وحريصا أكثر من اللازم وتقدم على "الصاخب" في استفتاءات الرأي العام في عدد من الولايات...ما يراه البعض سيستنفر حرص "الصامت" لما آلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية في الداخل والخارج. ما يلزم أن يبادر بتقديم حلول جذرية لمعالجة جملة الإخفاقات التي حدثت قبل الجائحة وبعدها التي تسبب فيها "الصاخب". على ألا يكون ممن ينتمون للجانب المتطرف الديمقراطي الذي يعادل ترامب أي تيار "ساندرز" و"إليزابيث وارين" وما شابه...لذا توسم أحد المعلقين البارزين بإمكانية أن يجعل:"حذر بايدن الفطري التغيير الحقيقي ممكنا"...
تغيير يسمح بإعادة بناء الولايات المتحدة الأمريكية في ظل تناقضات حادة داخلية وخارجية نذكرها في إيجاز كما يلي: أولا: على المستوى الداخلي: تعاني أمريكا انقساما طبقيا ولونيا وسياسيا وجهويا وجيليا وعرقيا وقوميا متصاعدا...ثانيا: على المستوى الخارجي: تغير شكل العالم الذي عرفته النخبة السياسية الأمريكية. حيث بات العالم بعد عقدين من الألفية الجديدة أكثر "تعقيدا وتفككا" و"عولمة و "انكفاءً" في نفس الوقت خاصة بعد الجائرة المالية الكارثية والجائحة الفيروسية المميتة الممتدتين...فهل ينتفض "الصامت: "بايدن"(78عاما)، ويستجيب للتوقعات المتفائلة به في ضوء خبرته السياسية التي تعود لعام 1970...ويلعب دورا تاريخيا انتقاليا من الإخفاقات الصاخبة مثلما فعل جونسون عقب اغتيال كنيدي، وبوش الإبن عقب أحداث سبتمبر 2001...نتابع...