الفورين أفيرز تحذر من الخطر التالي؟...

في ذروة المقاومة النبيلة من جميع مواطني الكوكب يتقدمهم ملائكة الرحمة البيضاء من أطباء وممرضين محترفين ومتطوعين، في شتى أنحاء العالم ضد الجائحة الفيروسية: "الكورونا/الكوفيد ـ 19"؛ لوقف الإصابات واحتواء الوفيات، تصدر، منذ أيام، دورية مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية الشهيرة "الفورين أفيرز"؛ ــ عدد مايو/يونيو 2020 ــ المعنية بالقضايا الاستراتيجية، محذرة المعنيين في الكوكب من "الخطر التالي"؛ قاصدة التداعيات المدمرة الناجمة عن التغيرات المناخية...

خصصت "الفورين أفيرز" ملف العدد لمقاربة "الكارثة المناخية" القادمة التي ستحل بالكوكب ومواطنيه في كل مكان دون استثناء...وفي ملف حمل العنوان التالي: "الحريق...المرة القادمة" The Fire Next Time”؛ شاركت فيه عناصر متميزة وهامة من النخبة الأمريكية من السياسيين والاستراتيجيين والخبراء والعلماء بغرض ــ كل من زاوية تخصصه وخبرته ــ وضع تصور لكيفية مواجهة الكارثة المناخية. أخذا في الاعتبار الدروس المستفادة من المواجهة المتأخرة للكارثة الفيروسية. أو بحسب ما يقول محرر الفورين أفيرز في مقدمة الملف: "لقد فشلنا في وقف المرض الفيروسي هذه المرة. ولكننا يمكن أن نكون أفضل في المرة القادمة مع حلول خطر الحريق" الذي سيشتعل بسبب الانبعاثات الغازية المدمرة: للطبيعة والبيئة والإنسان؛ بفعل الاستباحة الرأسمالية للبيئة والطبيعة للحصول على الموارد والثروات الطبيعية لتشغيل الاقتصاد الدولي.

فبالرغم من التحذيرات المبكرة من قبل الخبراء في شئون البيئة بخطورة التغيرات المناخية لما ستلحقه بالكوكب من كوارث، إلا أن المعنيين بوضع السياسات اللازمة وإدارتها في كثير من الدول ــ خاصة الكبيرة المتهمة شركاتها بتدمير البيئة ــ كانوا أقل اكتراثابخطورة الموقف، فتهكموا على هؤلاء الخبراء وهزأوا بتحذيراتهم . والأسوأ عملوا على التخلي والتراجع عن ما يلي: أولا: أدوارهم المحوريةالمعرفية والعلمية والتقنية في إطار الجهد الدولي لمواجهة الاختلالات الطبيعية/البيئية من خلال البحث العلمي اللازم وصياغة الخطط التنفيذية المناسبة. وثانيا: التزاماتهم المالية والتمويلية الدافعة لإطلاق وتفعيل البحث والتخطيط اللازمين. وثالثا:مسئولياتهمالأخلاقية والحضارية حيال تهديد حقيقي يهدد وجود الكوكب...

وإذا كان هذا هو وضع التعاطي مع الأزمة المتوقعة من جراء التغيرات المناخية. فيجب التعلم ــ يقول محرر الفورين أفيرز ــ من تجربة الفشل في احتواء الكارثة الفيروسية وذلك بأخذ تحذيرات الخبراء حول التغيرات المناخية مأخذ الجد. والعمل على وضع الخطط الاحتوائية اللازمة للكارثة المناخية موضع التنفيذ بأقصى سرعة ممكنة...نعم، لم تكشف كارثة التغيرات المناخية عن وجهها الأسود اللعين ــ كاملا ــ بعد. ذلك لأنها تجتاح الكوكب ببطء، مقارنة بقرينتها الوبائية. إلا أن الحرص بات واجبا...أخذا في الاعتبار أن تداعيات الكارثة المناخية سوف تكون أكثر كارثية من الجائحة الفيروسية. كما أن العالم لن يحتمل الإصابة "بالشلل التام والشامل" ثانية...

في هذا السياق، جاءت مساهمات عناصر النخبة المتنوعة الاختصاصات والاهتمامات والانتماءات المشاركة في الملف التحذيري "للفورين أفيرز" عن الخطر القادم ــ لا محالة ــ الذي سيحل بالعالم ليس بقصد التخويف وإنما بغرض النجاح "الاستباقي" بالإطفاء المبكر للحريق...

أولا: يشدد "ويليام نوردهاوس"، الحائز على نوبل في الاقتصاد لعام 2018، على أن التغير المناخي أحد أكبر التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم. لذا لابد اعتبارها قضية مركزية في "أجندة" العلاقات الدولية. ولن يتأتى ذلك ما لم يتم تفعيل وتحديث المواثيق البيئية الدولية التي تم التوافق عليها منذ "كيوتو 1979" وحتى "باريس 2015": "مفهوميا وعملياتيا". كذلك إعادة النظر في الملتقى الدولي البيئي الراهن "المعيب" بتفعيل هيكليته ليكون "ناديا للبيئة" تحظى عناصره بالصلاحيات التي تمكنهم من إعمال التدخلات المطلوبة من: مكافآت وعقوبات مختلفة، وفق المواثيق الدولية المعتمدة.

ثانيا: يجدد كل من وزيري الخارجية السابقين الجمهوريين "جورج شولتز"(وزير خارجية ريجان) و"جيمس بيكر"(وزير خارجية بوش الأب) رؤيتهما فيما عُرف "بخطة بيكر ـت شولتز للحصص الكربونية". وهي خطة تقوم على مواجهة الأخطار التي تهدد مستويات معيشة المواطنين، وتأمين وظائفهم من خلال توفير المال اللازم لذلك من خلال العمل المشترك بين أولا: الديمقراطيين والجمهوريين معا، وثانيا: الشركات الأمريكية، وثالثا: خبراء البيئة للتغلب على أي معوقات سياسية تحول دون وقف التوسع في استخدام الكربون. وفي نفس الوقت، دفع الدولتان الأكثر في الانبعاث الكربوني عالميا بالالتزام الصارم بتقليل الانبعاثات أو يتعرضان للعقوبات الدولية.في هذا الإطار تطرح خطة "بيكر ـ شولتز" الكثير من التفاصيل ذات الطابع الاقتصادي والمالي التي سيعمل عليها تحالف اقتصادي واسع لاستخدام كربون منخفض السعر منخفض الانبعاثات. ومن فارق تسعير الاستخدامات المختلفة يمكن تمويل أية التزامات مواطنية ومجتمعية.

ثالثا: يطرح المسئولان عن ملف "السياسة المناخية" في إدارة "أوباما"(الديمقراطية) كل من "جون بوديستا" و"تود شتيرن"، خريطة طريق لإصلاح السياسة الخارجية الأمريكية المتخلفة عن الاستجابة الملائمة للأخطار المناخية المختلفة. كذلك تهيئة المؤسسات المختلفة المنوط بها تنفيذ ومتابعة السياسة المناخية لتكون على مستوى الأزمة.

رابعا: ومن خلال معالجة جماعية يشترك فيها خمسة خبراء أولهما هندسة الطاقة، وثانيهما في الهندسة والسياسة العامة، وثالثهما في الهندسة، ورابعهما في الاقتصاد العالمي والإدارة، وخامسهما في الابتكار والسياسة العامة يقدمون فيها رؤيتهم حول دور تكنولوجيات الطاقة المتجددة النظيفة في إنقاذ الكوكب. ما يلزم تبني سياسات ابتكارية وضخ استثمارات كبيرة في هذا المقام اتي مهما عظمت سوف تكون أقل بكثير من تكلفة الدمار المتوقع من ارتفاع درجة حرارة الجو من درجة ونصف إلى درجتين.

تبقى ثلاث مساهمات حول أدوار القطاع الخاص والمجتمع المدني والدول الفقيرة في مواجهة التغيرات المناخية ــ نعرضها في مقالنا القادم ــ لأهميتها...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern