لاتوجد وصفات جاهزة للديمقراطية!

:الكاتب والباحث السياسى سمير مرقص


اهتماماته السياسية الواسعة وعلى رأسها العلاقات لإسلامية المسيحية فى مصر وكذلك قضايا اليمين الدينى فى الولايات المتحدة الأمريكية تجعله يطلع دوما بشغف على أحدث الاصدارات السياسية العالمية.
إنه الكاتب والمحلل السياسى سمير مرقص مستشار المركز القبطى للدراسات الاجتماعية والحاصل على الجائزة الاكاديمية النرويجية للأدب وحرية التعبيير والذى يقرأ الآن كتاب (مستقبل الحرية فى العالم) للباحث الأمريكى ذى الأصول الهندية: فريد زكريا الذى يشغل فى الوقت الحالى منصب رئيس تحرير مجلة (نيوزويك) يقول لنا.


 التساؤل الرئيسى الذى تطرحه سطور هذا الكتاب يدور حول جدلية العلاقة بين الحرية والديمقراطية.. وهو تساؤل قد يدعو للدهشة حقا.. لكن الكاتب يؤكد مع ذلك عبر فصول الكتاب ان وجود الديمقراطية فى أى بلد من بلدان العالم لا يعنى بالضرورة بلوغ الحرية ويدلل على فكرته هذه بأمثلة عديدة نذكر منها أن هتلر النازى جاء الى الحكم عبر انتخابات ديمقراطية لكن عهده لم يكن يتمتع بالتأكيد بأى نوع من الحرية!
 مثل آخر يورده لنا الكاتب يتعلق بيوجوسلافيا.. فلو أن انتخابات حرة اجريت فى هذا البلد لجاءت الينا بعناصر عنصرية.. وهكذا فان العلاقة بين الديمقراطية والحرية ليست علاقة شرطية دائما. ويؤكد ايضا الكاتب على صعيد آخر أن افضل مؤسسات أمريكية تحظى بالديمقراطية والحرية هى تلك التى يتم تعيين أعضائها مثل المحكمة الدستورية العليا وبوجه عام يروج الكاتب لفكرة الحرية بالمعنى الواسع مؤكدا ان الديمقراطية تأتى فى مرحلة لاحقة….


 بالتأكيد لاينبغى أن نتناول قضية الديمقراطية – وهى أزمة دول العالم الثالث كله- بمعزل عن حركة التطور التاريخى التى تشهدها المجتمعات . فالحرية ليست قرارا يتخذ انما هى حركة ونضال ومعركة تفرز فى النهاية منجزات ومكاسب تصبح مع مرور الوقت تقاليد راسخة فى المجتمعات.
 الإصلاح لايأتى أبدا من الخارج.. فهو مهمة وطنية تقع بالدرجة الأولى على عاتق المواطنين فى داخل الوطن الواحد.. كما أن الانجاز والاصلاح عملية مستمرة ليست مرهونة بتوقيت معين وهى أيضا وبصفة خاصة مهمة وطنية ليست مرتبطة بأى حال من الأحوال بالضغوط الخارجية فليست هناك روشتات أو وصفات جاهزة للديمقراطية ومن هذا المنطلق لا يمكننا أن نقبل (الوصفة الأمريكية للديمقراطية لان تطور المجتمعات لايمكن ابدا أن يصبح حقل تجارب أليس كذلك؟ كما أن هناك فارقا كبيرا بين التحديث أى أن نأخذ كل ماهو جديد وحديث من الغرب بما فى ذلك الديمقراطية وبين الحداثة أى أن نتبع عناصر التطور والتقدم تلك من داخل المجتمع نفسه.


 إننى فى الحقيقة ضد فكرة استخدام شماعة الآخر بشكل ميكانيكى, لكننى فى الوقت نفسه مقتنع بأن هناك جدلية واضحة بين الداخل والخارج فلاشك مثلا انه فى لحظات معينة لم يكن فى مصلحة الاستعمار البريطانى ن تسود الديمقراطية أو العدالة الاجتماعية وبالتالى (الخارج) فى هذه الحالة تتعارض مصلحته مع (الداخل) ولكن هذا لايمنع ابدا حركة التطور ومسيرة الديمقراطية والمفارقة الواضحة فى تاريخنا الحديث انه فى عهد الاحتلال البريطانى نجحت مصر فى بلورة حياة سياسية قوامها الدستور..


 لست متفائلا ولست ايضا متشائما انها بمثابة مرحلة تاريخية نمر بها .. وهنا تكمن الحقيقة أهمية قراءة التاريخ.. لقد مرت مصر كما مرت المنطقة العربية بأسرها بمراحل شبيهة بتلك المرحلة التى نمر بها الآن.. فقط ربما تبدو الأمور مجسمة أكثر فى زمننا الراهن بحكم تقدم وسائل الاتصال والتكنولوجيا ويظل النضال دائما معيارا حقيقيا لبقاء واستقرارالشعوب ولان تاريخ الدول والأمم فى حركة دائمة مابين صعود وهبوط وصعود مرة أخرى فالمنحنى يرتفع وينخفض عبر الزمن ولكن فى لحظة تاريخية معينة تنهض الشعوب فترفض الأوضاع القائمة طارحة صيغة جديدة مبنية على العلم والتقدم معا. صيغة تنبع من ذاتها وشخصيتها ووجدانها مستفيدة فى الوقت نفسه من تججارب وخبرات الآخر وهذا ماحدث على سبيل المثال فى ثورة 1919 حيث استطاعت الثورة – برغم الاحتلال البيريطانى- أن تصنع صيغة مصرية حقيقية حقا قد تكون هذه الصيغة متأثرة نوعا بالغرب لكن بصمتها المصرية تتبدى بوضوح فى شتى المجالات السياسية..الاقتصادية..الثقافية..الاجتماعية وهكذا فقط تنهض الشعوب.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern