(1)
عن المواطنة الشاملة فى البلدان العربية
عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى صدر تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2019 تحت عنوان: «حتى لا يتخلف أحد عن الركب: نحو المواطنة الشاملة فى البلدان العربية»؛ (50 صفحة). وكأحد المعنيين بقضية المواطنة ومتابع، منذ وقت مبكر، لأدبياتها: النظرية والتطبيقية؛ أسعدنى اهتمام تقرير التنمية الإنسانية بقضية المواطنة وواقعها فى البلدان العربية وعلاقتها بخطة التنمية المستدامة للعام 2030 والموجهة لكل المواطنين ــ دون تمييز ــ التى تؤكد على «عدم تخلف أحد عن الركب».
وينطلق التقرير من واقع عربى خلاصته أن خطوط الصدع فى التنمية البشرية فى المنطقة العربية أصبحت أكثر تعقيدا منذ عام 2011 وتعمقت فى الكثير من البلدان. ويعيش اليوم عدد كبير من الأشخاص حياة ينعدم فيها الأمن، ويعيش عدد أكبر من الأشخاص تحت ضغوط متواصلة تمنعهم من تحقيق إمكاناتهم كبشر، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة فى الأرواح التى تتسبب بها النزاعات المسلحة المروعة.. وعليه، إذا لم «يتم حل النزاعات المستمرة ولم تخرج التوقعات الديمغرافية عن الاتجاهات الحالية، سيعيش 40% من الأشخاص فى البلدان العربية فى ظروف تتسم بالأزمات والنزاعات بحلول عام 2030»... ولنجاح خطة التنمية المستدامة فى تحقيق أهدافها (17 هدفا)، فإن هناك ضرورة قصوى لإزالة كل ما يعرقلها.. وذلك «بمعالجة مشاكل التنمية الأكثر إضرارا المرتبطة بالمواطنة فى منطقة تبقى فيها العلاقات بين الدولة والمجتمع مشحونة ومتنازعا عليها بشدة فى ظل هشاشة سياسية واجتماعية واقتصادية».
(2)
الإقصاء وعدم المساواة والأحادية
تحرر التقرير من التعريف التقليدى الشائع للمواطنة، الدستورى/القانونى الطابع، الذى يحصرها فى منظومة الحقوق والواجبات. ويشير إلى أن المواطنة هى «عملية تاريخية متنازع عليها تتكون من العلاقات الرسمية وغير الرسمية منها على حد سواء، فى البيئات المعقدة». وتتحدد البيئة وفق «القانون والمؤسسات السياسية والاقتصاد والتكنولوجيا». فالمواطنة «نتاج التفاعلات الاجتماعية وعلاقات السلطة والصراعات عليها، واستنادا إلى تجارب الإقصاء والتهميش، قد لا تعتبر المساواة فى المركز المنصوص عليها فى القانون أمرا مسلما به فى المجتمع. إن المشاركة النشطة للمجموعات المهمشة والسياسات التى تلبى الاحتياجات المتنوعة هى شروط مسبقة للمواطنة الشاملة. وينطبق ذلك أيضا على الاعتراف بأن للأشخاص هويات والتزامات متعددة، سواء داخل حدود الدولة أو خارجها. وبالتالى يجب أن تشتمل المواطنة الشاملة على التعددية والتنوع».. وبالرغم من أن التعريف يتقدم خطوة عما هو شائع باعتبار المواطنة «عملية تاريخية»، أو بحسب ما عرفناها فى كتبنا: «حركة نضالية مستمرة»، لا سقف لها، تتم فى سياق مركب. إلا أن التعمق قليلا فى التفاصيل الواردة فى التعريف الذى يتبناه التقرير يدور حول: الإقصاء، وعدم المساواة، وغياب التعددية. باعتبارها مظاهر ومؤشرات يمكن أن ندرك بها مدى تحقق المواطنة من عدمها. ولكن وحتى يتسنى لنا ذلك لا بد من دراسة التطور التاريخى لكل من: السياق المجتمعى الفاعل، والنمط الانتاجى السائد، وطبيعة الدولة القائمة وعلاقة ما سبق ببعضه البعض. وهو جهد لم يتم.. كيف؟.
(3)
تكوين الدولة ونموذجها التنموى والديناميات الخارجية
قارب التقرير فى قسمه الثانى ثلاثة محاور هى: أولا: تكوين الدولة. والثانى: النموذج التنموى. ثالثا: أثر «الديناميات» الإقليمية على المواطنة والعقد الاجتماعى. وقراءتى لهذه المقاربة أنها وصفية وعامة إلى حد ما سواء فى محاولة مقاربة تكوين الدولة والتمييز بين الدول العربية فى التأسيس للمواطنة فى ضوء تكوين كل دولة. أو فى رصده للنموذج التنموى الذى عرفته الدول العربية والذى تراوح بين النموذج الدولتى والليبرالى الجديد. وأخيرا فى أثر «الديناميات» الإقليمية على المواطنة وتحديد طبيعة العقد الاجتماعى بين الدول ومواطنيها.. صحيح أن هناك كثيرا من القضايا الهامة التى أثيرت فى هذا السياق إلا أننى أظن أنه كان من المفيد الانطلاق تصنيف نوعى لتكوين الدولة ونموذجها التنموى ونمط الإنتاج فى ضوء المسار التاريخى لكل دولة: دورات صعودها وهبوطها، نجاحاتها وإخفاقاتها، ونزاعاتها الداخلية وصراعاتها الخارجية،...،إلخ... ما ييسر الكثير عند التقدم فى التحليل ومحاولة تقديم تصور ناجع للمواطنة المطلوبة للحاق بالركب؟. نواصل...