مستقبل لبنان

(1)
حرائق النهايات»

كانت هناك مقولة للمؤرخ والمفكر والأديب ورئيس حزب الأحرار الدستوريين للدكتور محمد حسين هيكل (1888 ــ 1956)، صاحب رواية زينب، وكتب رائدة حول حياة محمد، وجان جاك روسو، ومذكرات فى السياسة المصرية، وثورة الأدب.. إلخ)؛ يقول فيها: «...هناك سلطتان فى مصر، لن يتم أى إصلاح حقيقى فى البلاد دون التخلص منهما: الإنجليز والقصر. وما دام هذا مستحيلا فلا جديد فى مصر»..

ومن ثم كان من الصعب على الكتلة الشبابية الوطنية البازغة المتحررة والناقمة فى آن واحد على كل من: العائلات الإقطاعية، وأصحاب رؤوس الأموال الموالين للقوى الأجنبية، آنذاك، أن تجد لها مكانا فى مسيرة والاستقلال الوطنى والتحرر الاجتماعى.. ولكن جاء «حريق القاهرة» فى يناير 1952 ليكشف، إضافة إلى انتهاء صلاحية صيغة حكم القصر والاحتلال لمصر، أن هناك «خللا اجتماعيا»، بحسب المخضرم الأستاذ موسى صبرى فى كتابه المهم: «قصة ملك وأربع وزارات»؛.. «خلل اجتماعى.. أعطى لطبقة واحدة الحق فى أن يتخموا على حساب حرمان الغالبية المحرومة الضائعة».. ومن هنا أسس الحريق الذى جاء محصلة للفساد والظلم والاحتكار انقطاعا عن ما سبقه فى اتجاه تاريخ جديد.. وهى ليست السابقة الوحيدة فى التاريخ..

(2)

«هل يؤسس الحريق للبنان جديد»؟

فى هذا السياق، يأتى «تفجير بيروت» فى 4 أغسطس، ليجسد ذروة معاناة وطن يئن على مدى عقود من: حكم طائفى/ سياسى يعتمد على إقطاع مالى غامض المصادر يتم تدويره فى دورات مالية معلومة فى مجالى المضاربة والريعية. وأخرى مجهولة بما يصب فى دعم سلطة الطائفة وزعمائها. ويتم ذلك على حساب الأغلبية من المواطنين. وفى هذا الإطار يتراجع دور الدولة لصالح الصيغة الطائفية التى تقوم على «المحاصصة». أو توزيع الحصص السياسية والاقتصادية على كبراء هذه الطوائف. الذين بدورهم يقومون بتوزيعها على من يتبعونهم وفق درجة الولاء التى يبديها هؤلاء الأتباع بغض النظر عن الأحقية والكفاءة.. ما أدى فى النهاية «خلل مركب» يتكون من: انهيارات عدة فى: النظام المالى، والبنى التحتية، والخدمات،.. وإخفاقات كثيرة فى: بناء الدولة، وتجاوز الطائفية، والتأسيس للمواطنة،.. وتزايد الفساد، والبطالة، والتضخم، والديون.. إلخ، ما أوصل لبنان للحظة لم يعد يصلح معها ترميم أو إصلاح.. من هنا اعتبر كثيرون أن فاجعة «حريق/ تفجير المرفأ»: الجريمة التدميرية والمذبحة البشرية؛ سوف تمثل ــ يقينا ــ لحظة انقطاع تاريخى تناضل على إطلاقها «كتلة تاريخية» عناصرها: الشباب الحداثى، والمجتمع المدنى، والفقراء،.. وهو وحده المسار الآمن القادر بلوغ شاطئ الأمان للبنان الوطن الجامع لكل ألوان طيفه.. فى مقابل ذلك يتوقع المراقبون بأن الطغمة الطائفية الحاكمة لهذا الانقطاع لن تسلم بسهولة.. وفى هذا المقام، يمكن أن نتوقع ثلاثة ردود أفعال/ سيناريوهات للحيلولة دون «انطلاق» لحظة «الانقطاع» التاريخى..

(3)

«سيناريوهات الدفاع عن حالة الخلل المركب»

كما أشرنا المعركة لن تكون سلسة، «فأمراء الطوائف»، بحسب التعبير الشائع فى الأدبيات اللبنانية، وبين الناس، لن يستسلموا بسهولة. ومن المتوقع أن تتدرج مقاومتهم ــ حسب كثير من العوامل ــ كما يلى: السيناريو الأول: «الاستيعاب والاستمرار»؛ حيث يتم إحداث بعض التغييرات غير الجوهرية والتجميلية بما يدعم احتواء الغضب والحراك المجتمعى الذى انطلق فى أغسطس 2015 وتجدد فى أكتوبر 2019.

السيناريو الثانى: «القبول بتسوية جديدة برعاية خارجية»؛ وذلك على غرار ما جرى فى التاريخ القريب فى اتفاق الطائف (1989)، أو اتفاق الدوحة (2008).. وهى تسويات، ثبت من الواقع العملى أنها ربما تحقق بعض «التهدئة» ولكنها لا تتعاطى مع جذور الأزمة. السيناريو الثالث: «الاقتتال»؛ أى العودة لحالة الحرب الأهلية سواء كليا أو جزئيا، ماديا أو معنويا، الصلبة أو الناعمة.. وهو السيناريو الأخطر فى ظل مناورات وتحرشات إقليمية تتورط فيها الكثير من القوى الإقليمية والدولية. خاصة أن هناك محاولة حثيثة لإعادة تشكيل المنطقة وتحديدا فى منطقة حوض شرق البحر البيض المتوسط وما يمكن أن يترتب على ذلك من صراعات لن تكون لبنان بمنأى عنها. ما سوف يعوق الاستجابة لإرادة كتلة التجديد التاريخية


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern