الكشف الدورى على الجسم الاجتماعى

(1)
«خالد عبدالفتاح عبدالله ومفاتيح لفهم الجسم الطبقى»

صارت هناك قناعة سياسية وبحثية بأنه لا يمكن تحقيق التقدم للمواطنين دون فهم تفاصيل الخريطة الطبقية التى تشكل الجسم الاجتماعى لمجموع هؤلاء المواطنين، ولا يقتصر الفهم على مجرد الرسم الشكلى والرصد الكمى للتركيب الطبقى للجسم الاجتماعى لأى دولة. وذلك من خلال دراسة الطبقات والشرائح والتشكيلات الاجتماعية والمؤسسات وتفاعلات كل منها الحيوية، وخياراتها المصيرية والآنية، والتعبير عن مصالحها، وتشابكاتها البينية،...،إلخ.

والأهم التقاط كل ما يطرأ على الجسم الاجتماعى من خلال إخضاعه «للكشف الدورى» ــ إن جاز التعبير ــ واكتشاف جديد تشكلاته فى ظل أنساق اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية متباينة ومتغيرة.. وممن ساهموا فى تطوير هذا الحقل المعرفى المُعقد يأتى كل من: «مايك سافاج» و«نيكوس بولانتزاس»، «جوران ثيربورن»، و«ويل أتكينسون»، و«روز كرامبتون»، و«جى ستاندينج»، وغيرهم. وكلهم لم يحظوا بالترجمة إلى العربية فيما عدا «روز كرامبتون» فيما أظن. لذا سعدت كثيرا بتصدى الدكتور «خالد عبدالفتاح عبد الله» بترجمة أحد أهم النصوص التى تتعلق بتحليل وتشريح الجسم الطبقى ورصد ما يطرأ عليه من تحولات. إنها المساهمة التى قام بها عالم الاجتماع الماركسى الأمريكى الفذ «إريك أولين رايت» (1947 ــ 2019)، والمعنونة «مداخل إلى التحليل الطبقى»؛ (بالمشاركة مع مجموعة من الباحثين صدر بالإنجليزية فى 2005 وبالعربية فى 2018 عن مكتبة الأنجلو المصرية).. والذى يعد مرجعا معتبرا فى مجال التحليل الطبقى غير النمطى لتقديمه نظرة جديدة طازجة تعين فى التشكلات الطبقية الجديدة...

(2)

«إريك أولين رايت: منظر كبير مبدع وملهم»

وترجع أهمية «رايت» إلى أنه: أولا: أفنى حياته فى مقاربة قضية «الطبقات». ومن ثم استطاع أن يطور فى دراسة مفهوم الطبقات وحراكيتها وعلاقاتها فى تحديد الكثير من المصائر والمسارات على مستوى الدول والمجتمعات، كذلك أهمية الخريطة الاجتماعية فى توجيه الرؤى والبرامج والسياسات. وكيف ومن خلال ما يعُرف تاريخيا «بمشروع اليسار الجديد» أنجز الكتب التالية: «الطبقة، الأزمة، والدولة ــ 1978»، و«الحوار حول الطبقات ــ 1989»، و«فهم الطبقات ــ 2015»، و«المجتمع الأمريكى وكيف يعمل ــ 2015»، و«كيف نناهض الرأسمالية فى القرن ال21 ــ 2019».. ثانيا: دوره التاريخى فى شرعنة دراسة الطبقات فى الأكاديمية الأمريكية.

ثالثا: المقاربة المتحررة من التقيد المغلق بأن الأبنية الاجتماعية تحمل طبقات ساكنة ذات ملامح ثابتة لا تتغير... فالتحولات الاقتصادية والتكنولوجية المطردة، والانقلابات الديموجرافية الحادة، والانتقالات العابرة للحدود قد ساهمت فى تسريع الحراك المجتمعى والتقلبات الطبقية وتعدد تشكلاتها وبلورة ما يصفه المؤلف «بالطبقات المُهجنة». وقد أدرك «رايت» كل ما سبق لذا جاءت أطروحاته مبدعة وملهمة فى آن واحد، وتضعه فى مصاف كبار المنظرين فى الألفيتين.

(3)

«المراجعة الدورية للجسم الطبقى ضرورة»

تعد ترجمة أحد أهم نصوص «إريك أولين رايت»، التى قام بها الدكتور «خالد عبدالفتاح عبدالله» إضافة للفكر العربى سوف تعين فى وضع إطار نظرى مرجعى وتوجيهى لكيفية مقاربة طبقات البنى الاجتماعية ــ القديمة والمستحدثة ــ المصرية والعربية. خاصة أن النص يهدف إلى تطوير ــ وسألتزم هنا بترجمة الأستاذ خالد «مرتكزات» وإن كنت أفضل استخدام مفردة «أسس»، خاصة أن النص الأصلى يستخدم كلمة «Foundations» ــ مقومات تحليل طبقية جديدة: ماركسية، وفيبرية، ودوركايمية، وبورديوية. كذلك يقارب النص التحليل الطبقى من مفاهيم مثل: «الريع»، واللامساواة بأشكالها التقليدية والجديدة، وتأثير العلاقات العرقية والجنسية، والدينية، والمواطنية على اللامساواة الاجتماعية ومن ثم الوضعية الطبقية.

وعدم إهمال أثر التعليم والمعرفة والخصوصيات الثقافية،...،إلخ... إنه عمل أصيل يكشف إلى أى مدى تتطور الحقول المعرفية فى العالم فى مسار يتجاوز الاجتهادات المبكرة المقدرة «لمحمود حسين» و«عبدالعظيم رمضان»، وغيرهما... وإلى أى حد نحن منقطعون عنها فيما عدا اجتهادات فردية حاولها أحمد موسى بدوى، وأحمد حسين حسن حسنين فى مقاربتهما للطبقة الوسطى وفق التحليل ما بعد الطبقى الجديد... وليس وفق تيار أو مدرسة تشتبك مع جديد المعرفة... تحية للدكتور «خالد عبدالفتاح عبدالله»... ما يلزم الدفع نحو دراسات دائمة حول الجسم الطبقى فبدونها لا تقدم... ونواصل مع سلسال الإبداع...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern