(1)
من النضال ضد العبودية إلى الحراك المدنى فالمساواة القانونية
كان عام 1955 من القرن الماضى هو عام انطلاق «الحراك المدنى» بفعل إصرار السيدة (روزا باركس) على تحدى القانون الذى يمنع اختلاط السود بالبيض فى الأماكن العامة ومن ضمنها وسائل الانتقال.
وهو الحراك الذى بلغ ذروته فى الستينيات وفتح الطريق ليس فقط لحركات الاحتجاج السوداء، وإنما لحركات الاحتجاج الشبابية على كثير من الأوضاع، وعلى رأسها تورط الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى الحروب الخارجية، كذلك الحركات النسوية وغيرها. ومن ثم عرف عقد الستينيات فى الأدبيات المعنية بالحركات الاجتماعية بعقد (الحقوق/ الحركة المدنية). وبالفعل تكلل هذا الجهد بتمرير الكونجرس لما عُرف بقانون الحقوق المدنية فى عام 1968 معلنا إنهاء قرون (350 سنة من 1619 إلى 1968) من النضال ضد «العبودية الصلبة»: أى المباشرة والمادية والعنيفة، لحياة السود فى أمريكا... نعم أسس القانون لما يمكن أن نطلق عليه «المساواة القانونية» النصوصية.. ولكن...
(2)
العبودية الناعمة
تبين أن النصوص القانونية وحدها ليست كافية لحل تراث «العبودية الصلبة» التى قامت فى أمريكا على بيع وشراء وتسخير الإنسان الأسود. ما جعل التجربة الأمريكية تصنف من أعلى درجات العنصرية التى عرفها الجنس البشرى... لذا لم تؤت القوانين ثمارها المرجوة. نعم قيدت الأفعال العنصرية/ التمييزية المادية ولكنها لم تستطع أن تتحكم فى التوجهات والمشاعر والعلاقات الاجتماعية التاريخية بين المختلفين لونيا، أو ما سميناه «العبودية/ العنصرية الناعمة» التى ظلت كامنة فى دواخل شرائح من جماعات الاستعلاء البيضاء... ولعل فيلم «خمن من سيأتى للعشاء» Guess Who’s Coming To Dinner، الذى أخرجه «ستانلى كرامر» بطولة: «سبنسر تراسى» و«كاترين هيبورن» و«سيدنى بواتييه» فى عام 1968 (الفيلم حاز على 2 أوسكار ومصنف من أفضل 100 فيلم فى القرن العشرين)، قد مس هذه القضية بشكل بديع وبسيط عندما أحب الشاب الأسود الطبيب ابن الطبقة الوسطى الصغيرة ابنة أسرة بيضاء من الطبقات العليا. فلقد كشف الفيلم عن المشاعر الداخلية الدفينة لدى الأسرتين، عندما التقيا حول العشاء، والتى تعكس التراث العبودى الذى حكم العلاقة التاريخية بين السود والبيض فى الولايات المتحدة الأمريكية. ما يعنى أن هناك الكثير يجب أن يتحقق على المستويين المجتمعى والثقافى فى الحياة اليومية لاستكمال إنجاز المساواة القانونية بالعدالة المجتمعية... فما الذى أعاقها؟...
(3)
خنق فلويد: حياة السود (كل المنبوذين) مهمة
نعم نجح «النضال الأسود» التاريخى عبر الحراك المدنى فى أن تتحقق المساواة القانونية إلا أن العدالة المجتمعية لم تتحقق وذلك لأسباب أربعة: الأول: شاب النصوص القانونية بعض القصور.
صحيح نصت على عقوبات مُغلظة على أولئك الذين يحرمون المواطنين من حقوقهم المدنية. إلا أنها استثنت «المسؤولين المنوط بهم تنفيذه إذا ما قاموا بتنفيذه أو غفلوا عن ذلك وكذلك لا تنطبق على أعضاء الحرس الوطنى... الذين يشتركون فى قمع مظاهرة أو إنهاء شغب مدنى...».. الثانى: بقاء كثير من المناطق ذات الكثافة السوداء دون تنمية. الثالث: تجدد نشاط ما أطلقنا عليه جماعات الكراهية البيضاء: العرقية، والفاشية الجديدة، والنازية الجديدة، بداية من حكم ريجان والذى وصل ذروته مع الإدارة الترامبية. الرابع: انحيازات ترامب إلى قناعات جماعات الكراهية البيضاء. ما أدى، بحسب تعبير أحد الباحثين، إلى خلق حالة مركبة من الانقسامات متعددة المستويات من ضمنها الانقسام الأسود- الأبيض.
ووضح ذلك فى تعليق ترامب على الحادث الذى وقع فى المدينة الجامعية «بتشارلوتسفيل» بولاية فرجينيا الأمريكية فى 2017. ومؤخرا فى جريمة «خنق جورج فلويد» الأثيمة التى استغرقت أقل من 10 دقائق...فكانت ال10 دقائق (تقريبا) التى لم تهز أمريكا فقط بل العالم كله وأطلقت انتفاضات فى شتى الولايات الأمريكية تعلن أن حياة السود مهمة... وكذلك حياة كل المنبوذين والمهمشين والمحرومين والمقهورين مهمة... وأن مراجعات جذرية مجتمعية وثقافية لابد من إجرائها لتحقيق العدالة الشاملة المجتمعية المتممة للمساواة القانونية.