10 دقائق هزت أمريكا (2): النضال الأسود

(1)
وجه أمريكا الأسود الدائم النضال»؛

الزنوج... وديعون متواضعون لطفاء،

احذروا اليوم الذى يعدلون فيه عن رأيهم...

كلمات جاءت فى كتاب: «وجه أمريكا الأسود...وجه أمريكا الجميل...: مختارات من الشعر الأفرو أمريكى، ترجمة أحمد شافعى، 2005»؛ تعبر عن المسيرة النضالية لسود أمريكا منذ الحرب الأهلية والاستقلال الذى جرى فى 1776. فلقد شارك السود الذين كانوا عبيدا فى الثورة (بلغ عددهم نصف مليون إنسان، أى ما يعادل خمس سكان الدولة الجديدة)، يحدوهم الأمل لتجاوز مرحلة تاريخية مؤلمة فى حياتهم. الأمر الذى لم يحدث قط. ما أطلق نضالا تاريخيا ممتدا منذ ذلك التاريخ وإلى الآن مر فى موجات أربع... نرصد موجتين منها فى مقال اليوم...

(2)

«الموجة الأولى: مخاض النضال الأسود»؛

لم يتحقق حلم التحرر من العبودية كما ظن السود. نعم نص ما عُرف بدستور «فيرمونت» (1777) على «حظر العبودية»، إلا أن الحلم والوعد والنص بالتحرر قد اصطدمت بواقع ثقافى وسياسى واقتصادى يحول دون جعل: الحلم والوعد والنص موضع التطبيق الفعلى. فلقد تمسك البعض من الأثرياء «بحق الملكية» للسود. ما أعاق التحرر الفعلى. أى استخدمت ــ ويا للمفارقة ــ ذريعة قانونية لصبغ شرعية لوضعية اجتماعية وإنسانية غير قانونية... وبدأت سلسلة من «التحايلات» حول الحق فى التحرر منها: «لا يتحرر من هم على قيد الحياة وقت صدور قوانين إلغاء العبودية (صدرت فى بعض الولايات: الشمالية تحديدا فقط) ولكنها كانت تنص على حرية أى طفل يولد فى المستقبل لأم من الرقيق، ولكن بشرط أن يخدم الطفل سيد أمه حتى يبلغ سن البلوغ كتعويض عن الخسائر الاقتصادية التى يتكبدها المالك فى المستقبل»... وتعددت وتنوعت الإعاقات... وانتهى القرن الثامن عشر وقد ازداد عدد العبيد السود إلى ما يقارب المليون إلا قليلا... ولكن واكب هذه الزيادة الملحوظة ميلاد ما عبر عنه أحد المؤرخين «بالجهاد الشاق» من أجل التحرر وذلك بإعلان السود «لتحدى الرق» بشتى الطرق مثل: إرسال التماسات للسلطات التشريعية، وتمرد المزارعين الأقنان، وفرض النقاشات الدستورية حول الوضعية العبودية فى الدولة الوليدة،...،إلخ. وكان هذا إيذانا بميلاد النضال الأسود من أجل الحرية والتى كانت ذروتها ما عرف «بثورة جابرييل» فى 1880...

(3)

«الموجة الثانية: حرية الأسود الداخلية أولا»؛

أفرزت حرب الاستقلال مع نهاية القرن الثامن عشر طبقة بيضاء ثرية وقوية. وعلى مدى القرن التاسع عشر انشغل هؤلاء البيض ببناء الدولة الجديدة: «دولتهم»؛ دون حسم لمسألة العبودية السوداء التى كانت تتفاقم باستمرار نتيجة عنت النخبة الاستعلائية البيضاء. ويذكر التاريخ دور «فردريك دوجلاس» (ولد من أم سوداء وأب أبيض غير معروف هويته مطلع القرن الـ18) أحد أبرز الشخصيات التى لعبت دورا مهما فى النضال من أجل العبودية. فلقد أدرك أن «امتلاك الوعى هو طريق السود للانتقال من العبودية إلى الحرية»...وكانت حياته نموذجا لذلك. فلقد تعلم القراءة والكتابة. ثم اكتسب مهارة حرفية من خلال عمله فى ترسانة بحرية لصناعة السفن فى بالتيمور. كما مارس العمل الزراعى بكفاءة...ولم يرضخ لما دأب الاستعلائيون البيض على تعريض السود له سعيا «لتحطيم الإرادة العنيدة» التى قد يبديها أحد هؤلاء العبيد. وذلك من خلال ما عرف «بكاسر العبيد» أى تحطيم أى إرادة حرة ومستقلة يبدونها...وقدم نموذجا حرا ومتمردا على «بنية الاستعباد» الأمريكية، شريطة أن يحرص الإنسان الأسود على أن يتحرر من الداخل مؤمنا بأنه يستحق المساواة، لأنه يملك كل ما للأبيض من قدرات ومواهب... ولكن جاءت الحرب الأهلية الأمريكية (1861 ـ 1865) لتعمق من بنية الاستعباد...

(4)

«تأسيس بنية عبودية محكمة»؛

بنهاية القرن التاسع عشر، زاد عدد العبيد إلى ما يقرب من خمسة ملايين... والأهم تبلور بنية عبودية محكمة تقوم على: أولا: مبدأ «تفوق وتميز البيض»، وثانيا: من الناحية العملية تعمل على «تجريد السود من الحقوق المدنية بالمطلق»، وثالثا: تشريع قوانين وابتداع أعراف مهينة حيال السود، رابعا: التنظير الدينى والفكرى للعبودية والتمييز العنصرى باعتبارهما محورى «المجتمع المتماسك»؛ ــ أو بالأحرى «البنية العبودية» ــ حيث يخضع الوضيع للشريف، والأسود للأبيض، والأنثى للذكر، والطبقات الدنيا للطبقات العليا،... وفى المقابل استمر السود يعدلون من رأيهم لنيل حريتهم تامة...نواصل...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern