(1) كيف يعمل الخطر
تحدثنا فى مقالنا السابق عن ما أطلقنا عليه «سلطة الخطر»؛ أو كيف يمكن بفعل الكوارث التى تحل بالإنسانية، مثل كارثة انفجار تشرنوبيل الروسى (1986)، أن تخلق حالة من العجز لدى الإنسان فى مواجهتها. ما يجعل الخطر فعلا متسلطا على الإنسان/ المواطن ويعرى الواقع بأننا كبشر ومجتمع وأنظمة سياسية/ اقتصادية نعانى الكثير من الاختلالات. ولكن كيف تعمل «سلطة الخطر» أو ما يطلق عليها «دينامية الخطر»، بحسب العالم الاجتماعى «أولريش بيك» (1944 ــ 2015).
فى كتابه المبكر «مجتمع المخاطرة» (1986) يشير «بيك» إلى أن «الكارثة بعد حدوثها تخلق أولا: سلطة الخطر التى تهدد البشر وتجعلهم يعيشون حالة من اللا يقين حول مدى الخطر وحدوده وتداعياته وما هو المدى الزمنى لاستمراريته. وفى نفس الوقت يبرز كيف أن التقدم - فى زمن تشرنوبيل كان يقصد بالتقدم نموذج المجتمع الصناعى - لم يف بوعوده حيث حمل الأخطار للجنس البشرى.
وثانيا: ما إن يعيش الإنسان/ المواطن هذه الحالة فإن المعنيين عن عملية التقدم الموعود نجدهم يستفيدون من سلطة الخطر - نعم يستفيدون منها - وذلك بمحاولة نفى حدوث الكارثة بصورة تزيد من حجم الخوف. ومع مرور الوقت واكتشاف الأضرار الناجمة من الكارثة فلا مانع من الاعتراف بوجودها ولكن مع إنكار حجمها وأن الأمر تحت السيطرة. ثالثا: تستمر سلطة الخطر التى باتت تتكون من الخطر الحقيقى الذى نتج عن الكارثة والذين يحاولون إبعاد أى إدانة عن المتسبب الحقيقى فى حدوث الكارثة على جعل البشرية «ملهية» فى الخطر وتداعياته بعيدا عن المساءلة والمحاسبة للمتسببين فى الكارثة.
(2) تمدد الخطر
من أهم ما تثبته الكوارث ذات الأثر الفادح على الإنسان والطبيعة والبيئة مثل: تشرنوبيل، وقبلها هيروشيما ونجازاكى، ولاحقا الإيبولا والسارس ومؤخرا الكوفيد - 19. هو أن الكارثة تتجاوز حدود وقوعها وحدود المتضررين المباشرين إلى دوائر أكثر اتساعا. ففى حالة التلوث النووى نجد الخطر يتواصل عبر الأجيال. وفى حالة التلوث البيئى نجد الخطر يضرب فى الصميم التوازن الطبيعى ويخل به ليس فى موضع بعينه وإنما يمتد إلى عموم الكوكب.
وفى حالة الخطر الفيروسى والبكتيرى نجد الخطر يمتد عبر الحدود دون عائق. وفى المحصلة يمتد الخطر مهددا الإنسان كل إنسان دون النظر إلى العرق أو الطبقة... كما يمتد للطبيعة بكل مكوناتها وللبيئة بكل مفرداتها... حدث هذا فى السابق فى ظل المجتمع الصناعى بموجاته الثلاثة المتعاقبة والتى كانت تشرنوبيل ذروتها. ويحدث الآن فى ظل الموجة الرابعة من المجتمع الصناعى حيث «الكوفيد - 19».
(3) تناقضات اجتماعية وأنقاض مجتمعية
وعلى عكس ما تريد أن تفرضه سلطة الخطر من أن يعيش الإنسان/ المواطن- لسبب أو لآخر- حالة من اللا يقين والتعمية. فى انتظار أن يعود الوضع إلى ما هو عليه. نجد أن انكشافا شاملا تحدثه الكارثة للمسكوت عنه من «التناقضات الاجتماعية» والمخفى من «الأنقاض المجتمعية». ما بات يمثل تهديدات حقيقية على البشرية التى تصير عرضة لما يعرف فى الأدبيات بتحولات الخطر حيث قواعد الحياة اليومية تصير مقلوبة رأسا على عقب، والأسواق تنهار،...، إلخ... إلا أن إنسان/ مواطن هذا العصر يخرج عن السيطرة وتدفعه التكلفة العالية التى يدفعها فى مواجهة الكارثة إلى أن يكشف طبيعة «الحلقة الخبيثة» التى يعيشها ويدرك دينامية الخطر التى لا ذنب له فى حدوثها...
إنها حلقة تبدأ بنهم القلة للاستحواذ والاستئثار ما يجعلها لا تلقى بالا لكرامة الإنسان/ المواطن وتضرب بعرض الحائط حرمة الطبيعة ونضارة وبكارة البيئة. وتضغط فى اتجاه الإجابة عن ما يمكن أن نسميه أسئلة الكارثة المعنية بإدراك أسبابها وتصويب المسار الحضارى، والإجابة عن الأسئلة التى تتعلق بمن أفسد الطبيعة والبيئة ولماذا؟ وما العوامل والسياسات التى أوصلت الإنسان/ المواطن إلى هذا الوضع المختل ولماذا؟... وتحديدا كيف لا تكون الخدمات الصحية قادرة على تأمين احتياجات الإنسان المعاصر؟ وكيف تكون ميزانية التسليح الكونى أكبر بكثير جدا من ميزانية صحة الإنسان/ المواطن.