لا تخلو مقاربة، جادة،’’ لجائحة‘‘ "الكورونا" من ربط "بالرأسمالية" ’’الجائرة‘‘...وكشف لتحالف مقيت بين ’’الجائحة‘‘ و ’’الجائرة‘‘ ضد الإنسان والإنسانية...
لقد كشف "الاجتياح الفيروسي" مدى "هشاشة" المنظومات السائدة بأبنيتها وسياساتها المختلفة. والأهم إخفاق محركها الاقتصادي ــ أو ما عُرف بالليبرالية الجديدة أو الرأسمالية المتوحشة أو غيرها من مسميات ــ الذي ساد العالم منذ العام 1980، في تحقيق ما يؤمن الإنسانية ضد غدر الطبيعة، وأسر اللايقين، وتردي وترهل وتراجع وارتباك الخدمات المخصصة للغالبية من المواطنين...
كما أدى هذا الانتهاك المادي العيني إلى رفع الغطاء عن جوهر الانتهاكات التي طالت الإنسانية على مدى عقود وأدت إلى وضعية تاريخية غير مسبوقة من اللامساواة بين البشر(يراجع مجلد بيكيتي: رأس المال ومستقبل القرن ال21)...ما دفع الكثيرون من المفكرين والباحثين والسياسيين اعتبار "الكورونا" ذروة التجلي المرئي لما بات يعرف في الأدبيات المعتبرة "رأسمالية الكوارث"...
إنها الفكرة التي وردت في كتاب الكاتبة الصحفية والمخرجة والسياسية الكندية ناعومي كلاين(50سنة): "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث"؛(500 صفحة ــ 2007). حيث تم استدعاء أفكاره بقوة في الكثير من الكتابات لتأكيد العلاقة بين "الجائرة الرأسمالية" و"الجائحة الفيروسية"...
ومفاده أن "الرأسمالية الراهنة تعيش وتستمر، فتنمو القلة التي تديرها، ومن ثم تتسع الفجوة بينها وبين الأغلبية من خلال عمليتين متداخلتين هما: "الصدم والترهيب" حيث "تستتبعان مخاوف ومخاطر ودمارا يتعذر على المواطنين، بشكل عام، أي المهددين، أن تفقهها". ومن ثم ينتج عن "الصدم والترهيب الهيمنة".
وذلك بإطلاق الحروب المتنوعة في إطار ما يصفه المؤرخون الاقتصاديون باقتصاد الحرب الدائمة من جهة واستثمار الكوارث البيئية والحيوية والطبيعية المختلفة من جهة أخرى. وهو ما يفصله الصحافي الأسترالي المتخصص في صحافة الاستقصاء "أنتوني لوينشتاين" في كتابه المعنون: "رأسمالية الكوارث: كيف تجني الحكومات والشركات العالمية أرباحا طائلة من ويلات الحروب ومصائب البشرية"؛(500 صفحة ــ 2015، وطبع طبعة ثانية منقحة قي 2017 وترجمه نهاية 2019 في سلسلة عالم المعلرفة أحمد عبد الحميد). حيث "يسلط الكتاب الضوء على الشبكات السرية التي تشكلت لمساعدة الشركات على جني الأرباح من الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة".
كما يكشف التاريخ الخفي و’’الكواليسي‘‘ ــ بالوثائق والأرقام ــ للشركات المتعدية الجنسيات التي "بمساعدة من وسائل الإعلام والنخب السياسية في الدولة المنكوبة، باتت أقوى من الحكومات الوطنية". وأن القرن الواحد والعشرين سوف يشهد استمرارا لهذه الرأسمالية الجائرة" في ممارسة "الاستغلال" لمواطني الكوكب. "بالاستفادة من المآسي الإنسانية للاجئين والكوارث الطبيعية والحروب والصراعات من أجل التربح،...". ما ييسر "مواصلة النهب الممنهج لخيرات الشعوب ومواردها، واستنزاف ثرواتها الطبيعية" لصالح القلة الثروية...
هكذا أدارت الليبرالية الجديدة عبر عناصرها المالية وآلياتها السوقية المتشابكة من: بورصات، وشركات، وبنوك الاقتصاد على مدى عقود...والمتابع للأيام الأولى من انطلاق "الجائحة الفيروسية"سوف يلاحظ كيف أن الرأسمالية الجائرة حاولت في البداية إدارة الأزمة "الكورونية" بمنهج تقليدي دأبت عليه رأسمالية الكوارث على مدى عقود. وذلك في محاولة إدارتها بمنطق احتكار العلاج في إطار التنافس/الصراع العولمي التقليدي أو توظيف الحال في اللعبة السياسية وخاصة الانتخابية(يمكن مراجعة أحاديث رموز الإدارة السياسيةفي المركز الاقتصادي من قوى تقليدية وصاعدة عبر اليوتيوب. كما يمكن مراجعة كثير من النصوص والتحليلات في كثير من الدوريات التي قامتبتوثيق كل شيء عبر وصلاتها الإلكترونية وتيسير إمكانية فتحها مجانا خدمة للقارئ في كل مكان في العالم وقامت )...
لقد خرجت "الجائحة الفيروسية" على النص التاريخي "للرأسمالية الجائرة". وفاقت أضرارها ما يمكن للإنسانية احتماله من جهة أولى، وقدرة الأنظمة والمؤسسات السائدة على مواجهتها من جهة ثانية. والأهم، من جهة ثالثة، هو انكشاف عدم نجاعة برامج الخصخصةبما واكبها من "استقطاعات في الإنفاق الحكومي" وتقشف، وتراجع في الخدمات والضمانات الصحية،وتحديدا المخصصة للغالبية من المواطنين. ما أحدث التداعيات التي شهدناها في الشهرين الماضيين...وحول ما سبق تقول "كلاين" في حوار أجري معها في مارس الماضي ما ملخصه: "أن الأزمة قد كشفت إنه ليس لدينا رعاية صحية جيدة"...كما أن كثيرين "يفتقدون لها أصلا...ولا يمكنهم تحمل تكلفتها، ولا حتى تكلفة الفحص الطبي المطلوب من أجل الكشف عن الكورونا، ناهيك عن عدم القدرة على البقاء في المنزل لأنهم ليس لهم الحق في إجازة مرضية"...وتضيف "كلاين":إن "نظرية الصدمة التي دعمت السياسات التي تعمل على تعميق التفاوتات، وإثراء القلة، وإضعاف الأغلبية" قد انتهى زمانها...لماذا؟
لأن "الرأسمالية الجائرة" الموصوفة "برأسمالية الكوارث" أدركت أن "عقيدة الصدمة" التي ضمنت لها الاستمرار لعشرات السنين، لم تستطع مواجهة صدمة التمدد الفتاك "للجائحة الفيروسية" في جميع أنحاء الكوكب...ما أصاب مصالحها في الصميم وأدى إلى الشلل التام في غالبية مجالات القطاع الاقتصادي العولمي محدثا "انكماشا/تقليصا اقتصاديا ضخما وهائلا" “Huge Economic Contraction”؛ غير مسبوق في تاريخ العالم، بحسب الحائز على نوبل في الاقتصاد عام 2008، الليبرالي الأمريكي "بول كروجمان"(67 سنة)؛ في حديثه الذي أدلى به للإذاعة البريطانيةقبل عشرة أيام. مضيفا أنه وللمرة الأولى في تاريخ العالم لا يكون لدى الاقتصاديين المعتبرين في مركز قيادة العالم أي تصور للتعافي الاقتصادي في المدى المنظور"... لمعالجة، ما سببته:
’’ الجائحة الفيروسية‘‘من انكشاف تام’’للرأسمالية الجائرة‘‘؛ وما سبباه معا في حق الإنسانية...ما دفع الجميع إلى تبني مهمة مزدوجة تقوم على: ’’التحرر من "الجور" ومقاومة "الجوح‘‘؛...فيما يؤذن ببدء حقبة جديدة أو "زمن" جديد ...كما يشير الكثيرون من المفكرين والسياسيين المعتبرين مثل "جاك أتالي"، وغيره، الذي نفصل رؤيته في مقال الأسبوع القادم لأهميتها...نتابع...