«بيكيتى» وألف صفحة جديدة..

(1)
«النجم البازغ فى سماء أكاديميا الاقتصاد»

نحن أمام مشروع فكرى اقتصادى كبير يحمل توقيع أكاديمى فرنسى، لم يبلغ الخمسين بعد، هو «توماس بيكيتى». استطاع فى عام 2013 أن يحفر اسمه فى تاريخ الفكر الاقتصادى جنبا إلى جنب مع: آدم سميث، وماركس، وشومبيتر، وكينز، وأتكينسون.. إلخ، وذلك بإصداره مجلد «رأس المال فى القرن الواحد والعشرين- 700 صفحة»، (وكنا أول من أشرنا إليه وقت صدور طبعته الإنجليزية فى هذا المكان، خاصة أنه احتل على مدى ستة أشهر صدارة الكتب الأكثر مبيعا فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وعرضنا أهم ما تضمنه، ثم أفردنا عرضا وافيا فى أربع حلقات عند صدور طبعته العربية ترجمة سلمى حسين ووائل جمال فى 2016)..

وفى أقل من ستة أعوام أصدر، فى سبتمبر 2019، مجلده الثانى «رأس المال والأيديولوجيا» باللغة الفرنسية فيما يزيد على 1200 صفحة. ونوهت دار النشر التى صدر عنها المجلد بأن الطبعة الإنجليزية سوف تكون متاحة فى مارس من عام 2020.. وبالرغم من «الجائحة الفيروسية» التى تجتاح العالم، فإن هناك اتفاقا تاما بين المعنيين ــ يمكن متابعة المراجعات المختلفة للكتاب فى الدوريات المختلفة ووسائل الإعلام المرئية، كذلك الحوارات التى أجريت مع المؤلف- على أن مجلد «بيكيتى» قد جاء فى وقته تماما.. وأنه يستكمل ما مهد له فى مجلده الأول.. كيف؟

(2)

فى مجلده الأول: «رأس المال فى القرن الواحد والعشرين»، قام «بيكيتى» بتتبع التراكم التاريخى «لرأس المال»، منذ قبل منتصف القرن التاسع عشر، من خلال رصد النسبة بين رأس المال والدخل، وفى هذا التتبع يرسم المؤلف ملامح رأس المال وتحولاته أو «Metamorphosis of Capital»، كيف أن «الثروة» بأشكالها المتنوعة تركزت فى أيدى قلة.. ويستعرض المسار التاريخى لرأس المال من أوروبا القديمة إلى العالم الجديد.. ويشير إلى دور الحربين العالميتين فى أنهما فتحتا أفقا للطبقات المتوسطة والعمال فى الاستفادة من هذا التراكم على مدى عقود ثلاثة ممتدة هى الأعظم بالنسبة للطبقة الوسطى، وذلك من منتصف الأربعينيات، إلى أن جرى تحول آخر تحت مظلة الليبرالية الجديدة/ العولمة «جار» على الطبقة الوسطى وما دونها لصالح القلة الثروية، ما أعاد اللامساواة مرة أخرة بدرجة أشد.. وينتقد بحدة التحايل على استمرارها رغم الأزمات المالية المتكررة.. ما أسس لما أطلق عليه «بيكيتى» «هيكلية اللامساواة»، التى ترسخت بقوة، دارسا: اللامساواة وتوزع تركز الثروة، اللامساواة وعائد العمل، اللامساواة وملكية رأس المال، ومستقبل اللامساواة فى القرن ال21، وضرورة العمل على إحداث تغيير فى صميم هذه الهيكلية.. وذلك بالتدخل فى توجيه وتنظيم «رأس المال»، فى إطار ما أطلق عليه: «الدولة الاجتماعية Social State»، التى عليها أن تتخذ العديد من الإجراءات فيما يتعلق بالضرائب والدين العام.. إلخ... وهو ما يؤكده مجددا تحت العنوان التالى..

(3)

«نهاية أنظمة اللامساواة»

أما فى مجلده الجديد: «رأس المال والأيديولوجيا» 2020، فيعلن «بيكيتى» نهاية ما أطلق عليه «أنظمة اللامساواة Inequality Regimes»، إنها الأنظمة التى أسهمت فى تأجيج «التفاوتات».

و«الاختلالات» بين المواطنين إلى حد غير مسبوق فى تاريخ الإنسانية، الأمر الذى لا يمكن أن يستمر لأن ذلك يعنى حتما «الرأسمالية الجامحة/ الجائرة» بسياساتها السوقية والعولمية. ويحذر بقوة هؤلاء الذين يعتنقون فكر اللامساواة، باعتباره أيديولوجيا غير قابلة للتصويب أو التعديل أو التغيير، من أنه سيكون مقتلهم، فاعتناق اللامساواة وكأنها عقيدة سيؤدى بالدول والمجتمعات إلى أن تصبح مهددة بالانهيار التام بفعل التزايد المطرد للامساواة، الأمر الذى يوجب التحرك لإحداث تحولات بنيوية عميقة فى أنظمة اللامساواة الاقتصادية السائدة، تراعى المساواة والاستدامة والعدالة والكرامة لجميع المواطنين.. وفى هذا المقام، قام بجهد كبير نظرى وتاريخى ومسحى حول «اللامساواة»، كما طرح رؤية مستقبلية للعالم وفق نظام اقتصادى أكثر عدلا.. وهو ما سوف نتناوله تفصيلا فى مقالات قادمة...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern