الأرض: «جماعة إنسانية» لا «شركة»

(1) «اقتصاد الحرب الدائمة»
عندما يكون الإنفاق العسكرى لكل من الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا ــ على التوالى: 750، و250، و100 «مليار دولار» سنويا. وباقى الدول السبع أو الثمانى الكبار فى المتوسط حول الـ60 «مليار دولار» سنويا، مضافا إليها إسبانيا حيث تنفق ما يقرب من 20 «مليار دولار» سنويا على التسليح..

أخذا فى الاعتبار أن الميزانية المخصصة لحلف الأطلنطى تتجاوز التريليون دولار، وأن الميزانية التى خصصها الاتحاد الأوروبى لبند التسليح تكاد تقترب من ثلثى ميزانية «الناتو» (650 مليار دولار).. ثم يجد مواطنو هذه الدول، وقت الأزمة، أن هناك نقصا حادا فى الأجهزة والتجهيزات الطبية الأساسية، وهو الأمر الذى بات يفرض إعادة نظر «كوكبية» فى أمرين هما: أولا- أن «اقتصاد الحرب الدائمة»“Permanent War Economy”؛ الذى يحكم العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لابد من مراجعته. وثانيا- أن عقيدة ترومان «(نسبة إلى الرئيس الأمريكى، الـ33، هارى ترومان، الذى تولى الرئاسة من 1945 إلى 1953)، التى أخذت بهذا الاقتصاد كونه «قاعدة مادية لبيزنس كبير» “Big Business”، بحسب المصطلح الأمريكى، بلغت ذروة ازدهارها مع تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة على مدى الأربعين سنة الأخيرة.. حيث عائد الشركات التى تعمل فى هذا المقام يصل إلى 60% من العائد الإجمالى للصناعة الأمريكية يصب لصالح 10% من أصحاب المصالح، بينما يحصل الباقى ــ بصور مختلفة ــ على الـ40 الأخرى.. ومن ثم فإن الاستراتيجية السائدة على مدى عقود والتى تقول بأن «العالم ساحة معارك»؛ والهادفة إلى تراكم «أسواق جديدة وطيّعة»، تابعة ومستهلكة وضعيفة ومتهالكة إلى النظام العالمى، لا دول ناهضة ومستقلة وقوية وصحية، لابد من مجابهتها جذريا.

(2) «فى مواجهة الخطر الداهم وغضب الطبيعة»

فى شهر سبتمبر الماضى، وعلى هامش قمة المناخ، الذى عقد فى نيويورك تحت مظلة الأمم المتحدة، كتبنا مقالا حول: «ضرورة التعاون من أجل الإبقاء». حيث عكست الحوارات، سواء التى جرت فى جلسات القمة أو التى قدمتها الحركات المواطنية القاعدية المدنية المطالبية والاحتجاجية؛ أو ما أطلقنا عليها «القوة الخضراء»؛ من خلال الأوراق واللقاءات الموازية لأعمال القمة، أن هناك «خطرا داهما» يهدد كوكب الأرض: الطبيعة والبشر، كما نبه الأمين العام للأمم المتحدة من «غضب الطبيعة»؛ وما ينجم عنه من كوارث على الجميع دون استثناء مثل: أولا- الأخطار الصحية من: أمراض مميتة، وأوبئة. وثانيا- فقدان التنوع البيولوجى. ثالثا- الأضرار البيئية المدمرة للطبيعة. رابعا- التصحر.. ما دفع المؤتمرون (السياسيون والخبراء والاقتصاديون الرسميون)، و«القوة الخضراء» (الحركيون المدنيون) إلى أمرين هما: أولا- تغيير الفلسفة الحاكمة للاقتصاد العالمى. ثانيا- «ضرورة إحداث تغير جذرى فى طبيعة/ نوعية المحركات الاقتصادية الراهنة وفى مقدمتها نوع الطاقة المستخدمة»، والتوقف التام عن التوظيف الشرير للمجالات البيولوجية والنووية والكيميائية والرقمية فى الإضرار بالطبيعة والبشر.

(3) «الحاجة إلى أطروحة إنسانية نقدية شاملة»

لم تعد أفكارمثل «المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية» أو «المستقبل المشترك للبشر كجيران فى عالم واحد» أو «الاقتصاد الأخضر» كافية لمواجهة الخطر الداهم. الحاجة ملحة للمراجعة الشاملة لكيفية التعاطى مع مقدرات الكوكب المادية والمعنوية بما يصب لصالح الإنسانية وحقها فيما أسميته «المواطنة المستدامة» “Sustainable Development”؛(نفصله فى مقال لاحق).. وعلينا، بداية، إدراك الدلالة الرمزية لخطورة أن يبقى أكثر من ثلث مواطنى كوكب الأرض فى حظر طبى بأنها «حالة طوارئ» كونية. إلا أن هذه الحالة لم تبدأ فقط منذ إعلان انتشار «الكوفيد ــ 19» وإنما بدأت قبل ذلك عندما بدأت الإنسانية «تئن» من جراء «الجائحة الرأسمالية» التى فتكت بالإنسانية وبالطبيعة والبيئة والقيم المجتمعية وباتت تهددها بالإبادة.. ما يلزم تبنى أطروحة إنسانية جديدة تقوم على أن الأرض ليست شركة «Earth Inc»؛ تحكمها قلة، وإنما هى جماعة إنسانية من حق مواطنيها ــ على اختلاف انتماءاتهم ــ العيش بكرامة وحرية وعدالة وأمان.. الأمر الذى يستدعى نقدا شاملا ومراجعة جذرية حتى ينتصر الكوكب: تنتصر الإنسانية.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern