«الرعب الفائق الشامل»
فى لحظة إحساس الإنسان بالخطر تبرز على السطح كل المشاعر المكنونة دون تجميل. فهناك من يشعر بضرورة أن يتضامن المرء مع الآخرين من أجل مواجهة الخطر المشترك الذى لا يفرّق بين شخص وآخر. وهناك من يعميه الخطر إلا عن رؤية ذاته وضرورة أن ينجو بنفسه مهما كلفه ذلك ولو على حساب الآخرين..
ما بالنا إذا داهم الخطر الإنسانية عابرًا الحدود والقارات.. إن ما جرى فى الأسابيع الماضية من انتشار لفيروس «الكورونا»، يكاد لم يستثنِ دولة من دول العالم سواء كانت فقيرة أو غنية.. ما خلق حالة «رعب فائقة وشاملة»، بحسب تعبير الفيلسوف الفرنسى «إدجار موران» (1921) فى كتابه: «إلى أين يسير العالم؟».. «رعب» كشف مدى هشاشة العالم المعاصر أمام الخطر. ويكفى أن نتابع كيف تعاطى العالم مع الخطر فى بدايته، باعتباره إشكالية صينية على الصين أن تتحمل مهمة مواجهتها. والتلميح من خلال وسائل التواصل الاجتماعى إلى أن «الكورونا» هو الاسم السرى للحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. ثم مع بدء انتشار الفيروس خارج الصين، حاولت الدول الغنية أن توحى بأن «الكورونا» مصدره ومجال انتشاره هو الدول غير الغنية.. ولكن «الكورونا» وصل إلى كندا، وأمريكا، ودول أوروبا.. حيث توالت الإصابات وبعض الوفيات.. ما أجج الهلع.. فبدأت الإجراءات الاحترازية والوقائية.. وتأثر السفر والترحال، حيث وضعت الشروط والقيود... والأهم ارتبكت الاقتصادات والبورصات والأسواق.
(2)
«فى ضرورة اليقظة والتصديق»
وبالرغم من تأكيد الخبراء أن الإنفلونزا العادية أكثر خطرًا من «الكورونا» من حيث عدد الذين يموتون من جراء الإصابة بها، وأمور أخرى. إلا أن سهم «الرعب الإنسانى» نفد... واللافت أن كبار العالم الذين يلتئمون دوريا لتسيير العالم من خلال قمم: السبع، والعشرين، ودافوس، وميونخ... إلخ، لا يجدون وقتا للالتئام من أجل مواجهة «الرعب الإنسانى» المتمدد الذى يتجاوز الخوف من «الكورونا» إلى ما هو أبعد من ذلك كثيرا.. حتى المؤسسات الصحية العالمية لم نجدها على مستوى المسؤولية الكونية.. حيث لم توفر الإجابات الصحية اللازمة حول الفيروس الذى «غافلها»، مؤكدا مدى ما أصاب هذه المؤسسات وغيرها فى سياقات أخرى من شيخوخة. بل يمكننا القول إن التحرك المواطنى عبر شبكات التواصل الاجتماعى كان أكثر حيوية فى محاولته كشف ستر «الكورونا»، والتوعية قدر الإمكان بكيفية مقاومتها... و«لا يبدو»، وهنا نستعير عبارة وردت على لسان أحد أبطال مسرحية «حالة حصار» (والتى عُرفت بالعربية باسم «حالة طوارئ» عن المدينة التى سقط بها مذنب خطير مجهول، وقد كتبت عام 1948 بقلم «ألبير كامى» 1913 ـ 1960).. تقول العبارة التى وردت فى «حالة حصار»: «لا يبدو هذا الخطر أهلًا للتصديق».. ومن ثم جاءت الاستجابة الاضطرارية «للكورونا»، نظرا لأن آثاره واضحة ومباشرة وملموسة بخلاف الأخطار الأكثر كارثية، ولكنها غير المرئية المتعلقة بالتغيرات المناخية والتعاطى الشره مع الطبيعة والبيئة لصالح القلة.. حيث كان هناك من يظن أنه يمكن التقاعس أو التخلى عن المسؤولية التضامنية الإنسانية والاكتفاء بأن تتحمل دولة المصدر وحدها مواجهة الخطر الداهم.
(3)
«فى ضرورة التضامن الإنسانى»
إن ما حل بالبشرية من ردود أفعال على جميع الأصعدة فيما يمكن تسميته «زمن الكورونا» يعكس الملامح الدقيقة الحقيقية للوجه الحقيقى للحياة الإنسانية المعاصرة. فمهما تجمّل هذا الوجه سواء بالتجميل الطبيعى أو الجراحى أو بلبس أقنعة زائفة غير حقيقية. تأتى الأزمة لتكشف عن الوجوه الإنسانية الحقيقية المختلفة: الخائفة، والمستسلمة للكارثة باعتبارها قدرًا، والتى تريد أن تنجو بنفسها، والتى تريد أن تستثمر الهلع، والتى تريد أن تقاوم كل ما يعمل على تدمير الكوكب... إلخ... ظنى أن «زمن الكورونا» قد كشف أنه إن لم تتضامن الإنسانية لتجديد الكوكب، فإن العواقب ستكون وخيمة.