«الأختان».. من أوسلو لحرب الشام

(1) نداهة الجحيم
«الأختان»؛ رواية حقيقية تحكى عن قصة شقيقتين من أصل صومالى تعيشان مع عائلتهما التى هاجرت إلى النرويج. وعلى مدى حياتهما القصيرة، هناك، استطاعت أسرة «صديق وسارة» أن تمارس دينها دون قيود وبنعومة تامة. كانت الأسرة تواجه بعض المشكلات الحياتية التى تواجه جميع العائلات فى شتى بقاع الأرض ــ فى العموم ــ من حيث: تنمية قدرات الأطفال فى التعليم، وتأمين مصادر العيش،...، إلخ.

إضافة إلى مشاكل تتعلق بموقف بعض المواطنين المتشددين من أهل البلد الذين ينظرون للعائلات الوافدة إلى وطنهم بأنهم ينافسونهم على فرص الحياة المختلفة. وفى أحد الأيام من عام 2013 عادت الأسرة بكامل أعضائها إلى المنزل: الأب، والأم، والأخ الكبير، والشقيقان الصغيران. وغاب عن الأسرة الأختان أيان (19 سنة)، وليلى (16 سنة).. وطال الغياب.. ولم يحل سر الغياب إلا رسالة عبر البريد الإلكترونى مفادها الآتى: «السلام عليكما ورحمة الله وبركاته، نحن نحبكما كثيرا وقد منحتمانا كل شىء فى هذه الحياة.. إننا ممتنان لكما على كل شىء.. أليس من العدل واللائق أن نفعل كل شىء لأجل الله سبحانه وتعالى، وأن نكون ممتنين لما أعطانا باتباع أوامره وقواعده وتعليماته.. فلقد قررنا الذهاب إلى سوريا وتقديم كل مساعدة ممكنة».. وبدأت رحلة البحث عن أيان وليلى من قبل أبيهما وشقيقهما الكبير فى أرض الجحيم الذى انطلق منه «نداء نداهة الجحيم» واختطف الأختين.

(2) المواطنة الضائعة

لم تكن الرحلة مجرد رحلة عادية. إنها رحلة إلى الخفى والغامض سواء فى النرويج أو الشام.. لقد تبين أن هناك فى النرويج عالما إنسانيا خفيا موازيا للمجتمع النرويجى العلنى والطبيعى ومتناقضا معه. رغم استفادتهم من كل ما هو نتاج أوروبى على مستوى التقنى. ومحاولتهم ممارسة كل ما هو أوروبى على المستويين القيمى والسلوكى شريطة دمغه ــ الشكلى ــ بقيمهم الدينية الأصلية مثل ما قدمته الكاتبة باسم «المواعدة الحلال».. يتسم هذا العالم الخفى بأنه عالم تسكنه مجموعات بشرية لم تنجح كل آليات الاندماج الحداثية المتنوعة أن تدمج الأجناس الوافدة ــ إما نزوحا أو ملاذاً ــ من خارج النرويج.. وعندما انتقل بعض من هؤلاء الذين لم يستطيعوا الاندماج فى النرويج، استجابة للنداهة، لإقامة دولة عقائدية يعلنون فيها عن عالمهم الخفى فى الشام. تسارعوا.. ولكن رحلة البحث عن الأختين؛ كشفت عن عالم آخر لا ينتمى للقرن الواحد والعشرين.. فلقد تبين أن الشام المشتعل ينتمى لعصور ما قبل التاريخ من حيث: نمط العلاقات الإنسانية، والتحاربات البينية بين الفرق المتنافسة، ونمط العيش، ومنظومة القيم السائدة،...، إلخ. الأمر الوحيد الذى يشير إلى العالم المعاصر هو وفرة السلاح الحديث الذى يتحاربون به وتبتاعهم إياه جهات متنوعة ملتبسة الهويات ذات طبيعة دموية.. والمحصلة أننا أمام بشر يعانون ضياع المواطنة؛ منذ أن تركوا مواطنهم الأصلية فى الصومال (حالة بطلتى الرواية)، وأريتريا، والعراق، وباكستان،...، إلخ،.. واستمرت حالة ضياع المواطنة بعد أن حطوا فى أوروبا بالرغم من محاولتهم إقامة أوطان موازية.. وتأكدت مع ذهابهم إلى جحيم الشام أو النهاية المأساوية لسايكس بيكو التاريخى حرفيا.

(3) المحنة المركبة

«الأختان»؛ رواية ملحمية بكل المعايير. يمكن للمرء مقاربتها من العديد من الجوانب. إنها عن محنة العالم المعاصر من: دول شريرة، ومشروعات دموية، وثروات ملعونة، وبشر ضحايا،.. وهو ما توثقه، تفصيلا بلغة أدبية راقية الأديبة النرويجية «آسنى سييرستاد» فى روايتها «الأختان» الصادرة سنة 2016. والتى تم ترجمتها ــ على التوالى ــ إلى الإنجليزية فالعربية عامى 2018 و2019 فى 500 صفحة عن «الدار العربية للعلوم ناشرون».. وقد احتفت بها السفارة النرويجية وطرحتها للنقاش فى أكثر من ملتقى.. وهى رواية تستحق التأمل.. تحية لسفيرة النرويج السيدة لين ليند وفريق العمل بالسفارة الأستاذتين رنده حكيم ونيفين نظيف، وغيرهما، لإتاحة فرصة التعريف بهذه الرواية الهامة جدا.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern