«دارا» و«يورغن كلوب »
نشرت «جريدة الديلى ميل» البريطانية، منذ أيام رسالة «دارا كيرلى» ابن مقاطعة «دونيجول» بأيرلندا الشمالية، وأحد مشجعى النادى العتيد مانشستر يونايتد، التى وجهها إلى المدرب الألمانى «يورغن كلوب» المدير الفنى لنادى ليفربول المتصدر بطولة الدورى الإنجليزى، يناشده فيها على: «أن يعمل على وقف انتصارات الفريق بل العمل على خسارة المباريات»..
خاصة، وكما يقول الطفل دارا، «أن نادى ليفربول يفوز فى مباريات كثيرة جدا. وإذا واصل الانتصار لتسع مباريات أخرى فسوف يكون أفضل ناد إنجليزى لم يتعرض للهزيمة فى تاريخ كرة القدم الإنجليزية»، ويستطرد «دارا»: «وكونى مشجعا لنادى مانشستر يونايتد، فسيكون ذلك محزنا جدا لى».. لذا يوجه «دارا» «كلوب» «بضرورة أن يترك الفرق الأخير تسجل الأهداف فى شباك ليفربول والفوز عليها».. وينهى «دارا» رسالته بقوله: «آمل أن أكون قد أقنعتك بألا تفوز ببطولة الدورى الإنجليزى الممتاز».
(٢) «حق الاشتباك مع الشأن العام بحرية»
وتأتى الرسالة فى إطار تدريب مدرسى لكيفية كتابة الرسائل الموجهة لشخصيات عامة أو حول أمور فى الحياة اليومية. وقد اختار القائمون على العملية التدريبية المدرسية أن يتوجه الطلبة برسائلهم، هذه المرة، إلى لاعبى كرة القدم. ولكن «دارا» خص «كلوب» برسالته.. وبالرغم من «غرابة» ما تضمنته الرسالة إلا أن المدرسين، وإدارة المدرسة، والقائمين على العملية التعليمية لم يتدخلوا مثلا فى أولا: إثناء «دارا» عن كتابة ما كتبه. أو ثانيا: التدخل فى إعادة صياغة نص الرسالة. وذلك بتغيير عبارات أو كلمات جاءت فى متنها تخفف من مضمونها. أو ثالثا: منع وصول الرسالة.. بل على النقيض تماما.. فلقد ترك الطفل حرا أن يعبر عما يفكر فيه ويتمناه مهما كان صعبا أو غير معقول.. فالطفل من حقه أولا: أن يعبر عن نفسه. وثانيًا: أن يشتبك مع الشأن العام بحسب ما يرى. وثالثا: أن يتم الإعلان عن الرأى بشفافية.. ورابعا: اندثار زمن النصوص المثالية والإجابات النموذجية.. ولكن القصة لم تنته عند هذا الحد. حيث عنى «كلوب» بالرد على «دارا».. فماذا جاء فى رد المدرب الإلمانى؟.
(٣) «تفنيد الفكرة المتطرفة بالحوار»
«لسوء الحظ، لن أتمكن من الاستجابة لطلبك. ذلك لأن وظيفتى ومهمتى هى أن أعمل قدر المستطاع على انتصار ليفربول. خاصة أن هناك ملايين الأشخاص- ليس فى بريطانيا فقط ولكن- فى مختلف أنحاء العالم لا يمكن أن أخذلهم».. ولم ينه «كلوب» رسالته بل واصل لافتا نظر «دارا» بقوله: «لأنك لازلت فى العاشرة من عمرك تظن أن الأمور سوف تظل على حالها إلى مالا نهاية».. ولكنى «كرجل بلغ من العمر الثانية والخمسين، أستطيع أن أؤكد لك أن الهزيمة قد تقع فى أى وقت». ولم يفت «كلوب» أن يثنى على «دارا» لحبه لناديه وكيف أن نادى مانشستر يونايتد محظوظ بحب المشجع الصغير «دارا».. ومثلما عكست رسالة «دارا» نضج وجدوى العملية التعليمية.. تعكس رسالة «كلوب» مدى تربويتها لما تضمنته من: أولا: جديته فى الرد على مشجع مانشستر يونايتد ابن العاشرة. وثانيًا: تضمين الرسالة عدة مبادئ منها: الأول: أنه لا يمكن أن يعمل ما يخالف مهنته التى تقوم على تحقيق الانتصارات- بالأساس- وجمع البطولات. الثانى: ليس أخلاقيا ولا مهنيا أن يعمل ضد ما ينبغى أن يحققه. الثانى: أن دنيا كرة القدم مثلها مثل أى أمر فى الحياة ليس ثابتا أو نهائيا حيث الخسارة واردة؛ شريطة ألا نتقاعس. أى أن دوام الحال من المحال. فالحياة سنتها التغيير.. الثالث: احترام رسالة الطفل «دارا» بالرغم من سنه، وطلبه الصعب.. وذلك باعتماد الحوار وسيلة للتواصل بين الأجيال، وتفنيد الفكرة المتطرفة التى ترك «دارا» يعبر عنها، والتأكيد على القيم التى تحكم نجاح «كلوب» فى عمله.