فؤاد رياض.. أكاديمى جليل ومصرى أصيل

إن كنا فقدنا الأكاديمى الجليل والمصرى الأصيل «فؤاد عبد المنعم رياض» بالجسد، فإن مساهماته، بمحبيه وتلاميذه، ستُخلد.. تأكيدا لقيمته كأحد «البنايين المصريين الكبار».

(1) «المهموم بمصر المستقبل»
فقدت مصر، الأسبوع الماضى، أحد بناة المواطنة فى تاريخها المعاصر هو العالم الجليل الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض (90 عاما). إحدى حلقات «سلسال الإبداع المصرى» الأكاديمى والثقافى. عرفته عن بعد أولا من خلال مقالاته الدورية. والتقيته من خلال أحد لقاءات المجلس القومى لحقوق الإنسان فى 2008 حيث كنت أقدم ورقة عن المواطنة. وعقب اللقاء جاء إلىّ بتواضع شديد- أخجلنى- ليعرفنى بنفسه. وقال لى: إنى أُتابع ما تكتب. وكم كان كريما، وحارا، فى حديثه. كذلك كم كان مهموما بقضية الوحدة الوطنية ومنزعجا ومتألما لما يجرى فى مصر-آنذاك- من توترات دينية متتالية.. مرت شهور والتقينا فى يونيو 2010 فى لقاء عام. وكان قد أصدر كتابه «هموم إنسان مصرى». وأهدانى إياه بكلمات غاية فى الرقة. واتفقنا على التواصل عقب قراءتى للكتاب. وقد كان.. كانت نصوص «فؤاد رياض» تقتر ألما لما آلت إليه أحوال البلاد والعباد من «تقاعس وتقوقع»؛ ما أوصلها للتعرض «للمخاطر». ومن ثم طرح سؤالا محددا هو: هل هكذا ندخل الألفية الثالثة؟. وفى لغة مكثفة، أخذ يعدد هذه المخاطر داعيا إلى «صحوة قبل نقطة اللاعودة».. ففى رأيه أنه كى نتقدم علينا أن نعيد: «الثقة للناس، والقدسية للقانون، ولقيمة الصالح العام».. ومرت الأيام وانطلق حراك 25 يناير وتشرفت بعضوية أول تشكيل للمجلس القومى لحقوق الإنسان فى إبريل 2011 وقد كان «فؤاد رياض» عضوا أصيلا فى فعالياته.

(2) «المُجدد القانونى الحقوقى»

خلال هذه الفترة كان «فؤاد رياض» متحمسا جدا مع آخرين، لإصدار قانون بناء الكنائس. ولفت نظرى حرصه الشديد على أمرين هما: أولا: أن يصدر القانون، ليس فقط لتنظيم مسألة بناء الكنائس، ولكن لتنظيم بناء دور العبادة فى العموم. أو ما عُرف- وقتذاك- بـ«قانون دور العبادة الموحد». والأهم ثانيا: هو أن يصدر القانون وفق إطار قانونى مدنى مؤسس على الحقوق والحريات المدنية لكل المواطنين المصريين. فقد كان واعيا بأهمية المرجعية الحقوقية المدنية، وبالمرجعية الدينية التى تتحرك فى إطار الامتيازات للأقلية الدينية أو الطائفة أو الملة فى هذا السياق. وفى هذا المقام، لا بد من الإشارة إلى اهتمامه بالكثير من القضايا الحقوقية الحيوية التى تمس المواطنين فى حياتهم اليومية والتى تعكس مدى انشغاله بالمعاناة اليومية لهؤلاء المواطنين وضرورة إيجاد حلول تشريعية وقانونية لها. ذلك لأنها حقوق غير محسومة مثل: أولا: القضايا المتعلقة بقانون الجنسية، وثانيا: اعتراف القانون بتغيير الدين، وثالثا: حق المصرى فى الحياة وربط ذلك بتأمين الموارد والثروات فيما يشير إلى اهتمام مبكر فيما بات يُعرف- لاحقا-بـ«التنمية المستدامة»، ورابعا: التأكيد على العلاقة الوثيقة بين حق الإنسان وحق المجتمع على الإنسان وضرورة إدراك أنها علاقة جدلية، وخامسا: وعيه بألا يستخدم الإعلام فى العدوان، وسادسا: قضية استنزاف العقول الوطنية من شعوب العالم الثالث وكيفية استعادتها، وسابعا: إساءة استخدام الحصانة،...، إلخ.. كل ما سبق كان يتناوله الدكتور «فؤاد رياض» بمعالجات قانونية تعكس مدى انفتاحه واستيعابه لجديد التشريعات المدنية الحقوقية.

(3) «القاضى الدولى المُدقق»

وتشرفت مصر باختيار الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض- خريج السوربون- قاضيا فى المحكمة الدولية التى حاكمت مجرمى الحرب فى يوغوسلافيا. وقد كانت أحكامه- إضافة إلى شرف اختياره- نموذجا قانونيا رفيع المستوى القانونى من حيث جوهرها وصياغتها. فباتت مرجعا فى هذا المقام. ويقدم «فؤاد رياض» فى هذا المقام الكثير من الجهود فيما يتعلق بالإشكاليات الدولية الراهنة مثل: الإرهاب، وجرائم الإبادة، والحماية الدولية: ضرورتها وحدودها،...، إلخ.

وبعد، وإن كنا فقدنا الأكاديمى الجليل والمصرى الأصيل «فؤاد عبد المنعم رياض» بالجسد، فإن مساهماته، بمحبيه وتلاميذه، ستُخلد.. تأكيدا لقيمته كأحد «البنايين المصريين الكبار».


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern