قراءات نهاية العام: «برومثيوس» و«عبد ربه»

(1)
«قراءات حرة»

تعودت مع نهاية كل عام على اختيار بعض النصوص الأدبية لقراءتها. كذلك بعض الكتاب لاكتشافهم أو إعادة اكتشافهم... وتعين هذه القراءات تجديد الروح والصفاء الذهنى والنفسى. إضافة إلى التحرر من القراءة ذات الطابع الصارم التى أمارسها طول الوقت إما بأغراض: البحث، أو الكتابة، أو المشاركة فى الفعاليات المختلفة.

وفى هذا العام كانت الحصيلة ممتعة وهى بالترتيب: «برومثيوس طليقا» للويس عوض. و«أصداء السيرة الذاتية» لنجيب محفوظ. و«زوربا» لكازانتزاكيس. و«صبى سعيد» للنرويجى بيورنشتيرن بيورنسون.... وأعرض كتابا نجيب محفوظ ولويس عوض فى السطور التالية. ونعرض الأسبوع القادم للكتابين التاليين...

(2)

«برومثيوس وعبد ربه»

ليست هذه المرة الأولى التى أطالع فيهم كتابى «برومثيوس طليقا» و«أصداء السيرة الذاتية»... كما لا أتذكر كم مرة قرأتهما... وما يحفزنى دوما على استعادتهما هو ما يتولد لدى من قدرة بطلى النصين: «بروميثيوس» كما عالجها الشاعر الكبير «شيلى»، و«عبد ربه» بطل «أصداء نجيب محفوظ»، على التحرر من أعباء المكان أو السياق الاجتماعى. والزمان بالإفصاح التام عن الماضى وتعريته... كيف؟

(3)

«بروميثيوس طليقا»

بروميثيوس أحد أبطال الأساطير الإغريقية الذى وضعته الأقدار فى مواجهة الآلهة. لم يكن منها ــ بالتمام ــ كان دائم البحث عن الاستقلال. وعاملا على دعم الإنسان بكل ما «ينقذه من البربرية والعقم». ما يدفعه إلى «ازدهار الحضارة وتعلم الفنون والعلوم». وحوله كتبت الكثير من الأعمال الفنية عبر العصور. بيد أن كل من تصدى لتناول «أسطورة بروميثيوس» قد عالج «الحدوتة» بطريقة مغايرة. حيث النص الذى وصل إلينا عن المسرحى «إيسخيلوس» (القرن الخامس ق.م.) عاقب برومثيوس على فعلته لذا عرف النص بـ«برومثيوس مقيدا». وهناك من الكتاب من قدمه معذبا. وهناك من قدمه منتصرا أو صانعا للتقدم. كذلك حرا «طليقا» مثل الشاعر «بيرسى شلي» (1792 ــ 1822). حيث جسد من خلال نصه (الذى ترجمه لويس عوض وصدره بمقدمة دراسية رفيعة المستوى عن الواقع الاجتماعى لأوروبا القرن التاسع عشر زمن الثورة الصناعية)، القدرة على مواجهة الجور والاستبداد. ومثالا لكيفية «إصلاح العالم»... ونستعيد بعض كلمات النص البديعة الخالدة:

«... لقد سقط القناع البغيض وبقى الإنسان بلا صولجان، بقى حرا، لا تحده حدود: بقى الإنسان يرفل فى المساواة،...، وذهب عنه الخوف والتبتل، وأمحت من حوله الدرجات، وأصبح الإنسان على نفسه سلطانا،...، وإن تحرر (من القيود) طاول الثريا...»...

(4)

«عبد ربه مواجها نفسه وتاريخه»

فى أصداء السيرة الذاتية يقدم لنا نجيب محفوظ نموذجا لكيفية أن ينطق المرء بصوت عال يمكنه من أن يسمع صداه الذى هو خليط بين حصاد العمر والحكمة الكلية. وما النطق، فى هذه الحالة، إلا مواجهة للنفس ومكاشفة للذات علنية وعلى الملأ أمام الجميع. فلا يحتكر الصدى/الأصداء لنفسه بل يشارك الآخرين نتاج ما آمن به من أفكار، وما انحاز له من توجهات، وما اختار من خيارات، وما اكتسبه من خبرات، ولا مانع من إبداء رأيه حول الكثير مما عاصره،...،إلخ. إنها ذروة «التخلى» عن الذات وتواضعها من خلال حساب النفس على ما فعلت عبر تاريخها سلبا أو إيجابا. إنها التعرية والانكشاف. وتكثيف الخبرة الحياتية ليمنحها طواعية وبحب لمن حوله حيا، ولمن بعده ميتا...وعن ذلك يقول الشيخ عبدربه التائه حاسما: «لن ينصلح الحال ما لم نؤمن بأن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة»... كما يقول شيخنا إنه مهما: « أطبق الشر على الإنسان من جميع النواحى. فأبدع الإنسان الخير فى جميع المسالك»... و«هنيئا لمن قام بواجبه فى السوق، أو تحدى الكدر»...ومن أدرك أن معنى الحياة يكون «بالحركة (الدائمة) دون إبطاء، فالمعنى كامن فى الحركة»... وما الحياة إلا «خفقة قلب»...

كل عام وأنتم بخير وحرية وسعادة ومكاشفة.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern