الخروج على النص الطائفى

(1) «فى معنى الطائفية»
الطائفية فى لبنان أكثر من فكر وسلوك. كما أنها أكبر من اختزالها فى الدين/ المذهب. وليست أيديولوجيا فقط أو أنها ترتبط بالدين والمذهب دون غيرهما. إنها حالة مجتمعية مركبة تبلورت لتلعب أدوارا متعددة ومتعاقبة ومتداخلة.

ففى مرحلة من المراحل وهى المرحلة المبكرة من التطور الاجتماعى الذى عرفته منطقتنا كانت تعكس حالة من حالات التمييز التضامنى «الهوياتى» لأبناء اللون الواحد: الدينى والمذهبى. ساهمت فى بلورتها مرحلة الانقسامات المذهبية التى عرفتها كل من المسيحية والإسلام. وفى مرحلة تالية، فى ظل المرحلة العثمانية، تم تقنينها بالتشريع والقانون ليسهل إدارة الإمبراطورية البازغة التى تمددت جغرافيا فى مناطق شتى لقرون ممتدة. وفى مرحلة ثالثة، عندما عرف الاستعمار الغربى طريقه إلى بلداننا، قنن الاستعمار النظام الطوائفى لأسباب تيسر له الهيمنة عليها. وفى المحصلة أصبح لدينا كيانات طائفية تبلورت من محصلة تاريخية مركبة تتضمن: أولا: الصراعات التاريخية الإمبراطورية، وثانيا: الانقسامات الدينية/ المذهبية، وثالثا: التحولات التى طرأت على التشكيلات الاجتماعية فى المنطقة، إقطاعية وتجارية واستعمارية وما ترتب عليها من علاقات إنتاج، وأخيرا أثر الممارسات الاستعمارية الغربية على حركة البنى الطائفية سلبا وإيجابا.

(2) «فى طبيعة الطائفية ودورها»

بهذا المعنى تجاوزت الطائفة فى لبنان الحدود الدينية والمذهبية، كذلك السمات الثقافية والأدوار الوظيفية المتعارف عليها. حيث باتت حالة مجتمعية خاصة بعد أن تمركزت فى مساحة جغرافية خاصة بها فصارت لها منطقتها التى تمارس من خلالها النفوذ. و«تمترست» كل طائفة برعاية عائلية (عائلة أو أكثر)، يتم التخديم عليها من خلال المؤسسة الدينية. وعليه صارت الطوائف نمطا مجتمعيا ذات «تخوم دينية/مذهبية»، بحسب المؤرخ وعالم الاجتماع الفرنسى «مكسيم رودنسون» (1915 ـ 2004). والأهم هو أن نخبة (برجوازية) كل طائفة قد عملت على تمركز الثروة لديها وممارسة نفوذها عبر الطائفة. ومن ثم صارت الطائفة وعاءً لهيمنة هذه النخبة على التابعين ممن هم خارج هذه النخبة ولكنهم من أتباعها الأدنى فى الجسم الاجتماعى للطائفة. والدخول فى تنافس تاريخى بينها وبين نخب (برجوازيات) باقى الطوائف... وقد تعمقت الطائفية فى ظل الاستعمار نظرا لأنها أصبحت بمثابة «نظام سياسى تمارس فيه البورجوازية اللبنانية التى ارتبطت بالاستعمار سيطرتها الطبقية على تابعيها»، بحسب المفكر اللبنانى «مهدى عامل» فى كتابه: «فى الدولة الطائفية». بالطبع كان من المفترض أنه بعد الاستقلال يتم التحرر من البنية الطائفية للبنان التى بنيت «أسسها فى عهد الانتداب». إلا أن «النظام الطائفى تعزز»، أكثر فأكثر فى ظل الجمهوريتين الأولى والثانية التى تكرست مع اتفاق الطائف فى 1990. بالرغم من النص الصريح على «إلغاء الطائفية». حيث فى المحصلة «اكتمل الوجود المؤسسى للطوائف فى كيانات سياسية لها استقلالها الذاتى المحكوم بأنظمتها الخاصة». وساهمت النخب الطوائفية على «ديمومتها»، بحسب «إدمون رباط». استمرارية سيطرة النخبة على القواعد. والتى بدورها ارتبطت بمصالح وثيقة فى إطار متشابك مع مصالح الرأسمالية العالمية من خلال الشركات التجارية والخدمية... فى هذا السياق، لا بد من فهم أهمية الحراك اللبنانى الراهن.

(3) «لا بديل عن دولة المواطنة»

فقسوة ما آلت إليه الأحوال فى لبنان، وهو ما أقرت به شبكات الطوائف المغلقة، هو ما دفع إلى «الخروج على النص الطائفى». والجديد هو وعى «الحراكيين» بأنه لم يعد هناك مفر من التحرر من عبء الطائفية التاريخى وذلك بتفكيك نظامها السياسى.. بلغة أخرى تفكيك السيطرة المركزية الاقتصادية لنخب هذه الطوائف. خاصة أنه تبين أن جميع قواعد هذه الطوائف أصبحوا فى «جوع ووجع»،... ومن ثم كان التركيز على «خلخلة» الهيمنة الاقتصادية ومدخلها وقف الفساد، والهدر، وتأسيس اقتصاد وطنى مستقل ومنتج. وبالنتيجة تحقيق العدالة للجميع تحت مظلة دولة المواطنة... وهذه هى قيمة «حراك 17 أكتوبر/ تشرين الأول».


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern