(1) «الوجع والجوع»
الكلمتان المفتاحيتان المتكررتان على لسان «الحراكيين» في لبنان. ففى العقدين الأخيرين اتسعت دائرة الفقر لتشمل، إضافة إلى الفقراء، شرائح وسطى.
كما ارتفع سقف الدين الخارجى إلى ما يقارب الـ100 مليار دولار لدولة عدد سكانها أربعة ملايين نسمة ومساحتها لا تزيد على 11 ألف كيلو متر مربع. وما فاقم من الإحساس بالوجع والجوع عدم قدرة الاقتصاد على توفير فرص عمل، ليس فقط لكتلة الفقراء وللشرائح الوسطى. وإنما لمن توفرت له فرصة تعليم حداثية ومتميزة داخل أو خارج لبنان. وبات شرطًا لتجاوزهما: الوجع والجوع؛ الخضوع للتبعية والولاء «لشبكة الامتيازات المغلقة الطائفية: الدينية/المذهبية، الثروية، السلطوية».. ومن ثم «انتفض» «الحراكيون» (الموجوعون والجوعى) من:
أولًا: الأجيال الجديدة التي تنتمى للألفية الجديدة وقيمها المواطنية/الإنسانية.
وثانيًا: الفاعلون الحداثيون في المجتمع المدنى.
وثالثًا: الفقراء... انتفاضة على «المركزية الطائفية» لصالح دولة المواطنة. والتزموا في انتفاضاتهم بأمرين، هما: الأول: «بسلمية الحراك التامة». والثانى: بالحشد العابر للطوائف التي تصل إلى 18 طائفة لبنانية. وذلك لتشكيل كتلة مواطنية بازغة تنادى بمطالب اقتصادية واجتماعية وإنسانية واضحة.
(2) «الحراك من 2015 إلى 2019»
بداية لم يكن حراك اللبنانيين، الذي انطلق منذ 40 يومًا ــ وقت كتابة المقال ــ وتحديدًا في 17 أكتوبر الماضى 2019، هو الانتفاض الأول السلمى، العابر للطوائف والساحات، والمطالب بحقوقه المواطنية الإنسانية. فلقد شهدت بيروت «بروفة» للحراك الأخير، في شهر أغسطس 2015. انطلق حراك 2015 ليعلن ميلاد لبنان جديد، لا يطالب فيه الحراكيون بامتيازات طائفية أو تدعيم لنظام المحاصصة. وإنما بحقوق للبنانيين تمس حياتهم اليومية في شتى المجالات على اختلافهم الدينى والمذهبى. فلقد طغى الفشل الدولتى على كل مناحى الحياة: في قطاع الصحة، والخدمات، والمرافق العامة،...إلخ. وكانت البداية من مجموعة «طلعت ريحتكم»، وهى المجموعة التي تكونت أعقاب الفشل الذريع في التعاطى مع النفايات في عدد من المناطق اللبنانية. وما واكب هذا الفشل من ظهور صفقات مريبة متورط فيها رموز «شبكات الامتيازات المغلقة» (تعبير استخدمناه مبكرًا منذ 2008 في مقالين متتاليين وكان مدخلًا لكتاب تحت الإعداد عن الطبقة الوسطى والحراك). وظنى أنه منذ هذا التاريخ تبلورت فكرة الحراك الوطنى الجامع، ما أربك المركزية الطائفية التاريخية. والأحزاب التي تتسمى بمسميات سياسية وهى في الجوهر طائفية ومناطية... فولدت كيانات مدنية/مواطنية تعبر عن كل المناطق والأديان والمذاهب، مثل: «بيروت مدينتى»، و«أنا» و«المفكرة القانونية» و«حزب 7»، و«مواطنون ومواطنات»، و«بدنا نحاسب»، و«الحركة اللبنانية البيئية»، و«اتحاد الشباب الديمقراطى»، و«الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات»، و«التجمع المدنى»، وغير ذلك...وتجمعت آنذاك في ساحة رياض الصلح.. وعادت في أكتوبر الماضى إلى كل ساحات لبنان من طرابلس شمالًا إلى صيدا جنوبًا، والجبل،... إلخ، حيث اعتمدوا في حراكهم «السلمية» بعيدًا عن التاريخ «الميليشياتى اللبنانى» الذي كان في خدمة الطوائف بالأساس...إذن، أسس الحراكيون «السلمية» في 2015 كنموذج للتحرر من «المركزية الطائفية التاريخية» التي عرفتها لبنان...
(3) «تكنيكات الحراك السلمى في مواجهة المركزية الطائفية»
إذن، صارت «السلمية» نهجًا لحراك 2019 يقوم على: أولًا: الغضب المواطنى من سوء الأحوال دون «تمييز». وتوثيق رابطة الغاضبين على اختلافهم لمواجهة الشبكة. ثانيًا: التوعية بضرر المركزية الطائفية وتجلياتها من فساد وإفساد واستباحة الثروات والأملاك العامة وتوزيع المغانم على الأقارب والمقربين والموالين. ثالثًا: ترجمة ما سبق إلى ملفات موثقة وطرحها على الرأى العام... ملفات مثل: الديون، والسمسرة، والعمولات، وهدر/تهريب/غسل الأموال، واستباحة الثروات والأملاك العامة، و«ترسية» مناقصات لشركات بعينها (أو «التلزيم» باللبنانية)، والأدوية الفاسدة،...إلخ. ويتم كل ما سبق من خلال الشعارات المبتكرة، والأفلام، والكليبات، والندوات، والفرق الموسيقية، والأفكار المتجددة من عينة السلسلة البشرية الممتدة عبر لبنان، و«بوستة» (أوتوبيس) الثورة، و«منشر» الفساد،...إلخ، ويشار إلى أنه في نهار كتابة المقال بدأ «التحرش» بسلمية الحراك... ونواصل.