(1)
«دورات الكراهية التى لا تنتهى»؛
تعددت وتعاقبت الإعلانات السياسية التى تصب فى اتجاه دعم حقوق السود فى الولايات المتحدة الأمريكية، تاريخيا، منذ التوافق على الدستور الأمريكى (1786)، مرورا بإعلان تحرير الرق الأمريكى (1863) الذى أعلنه الرئيس الأمريكى إبراهام لنكولن، ونهاية بالإقرار بالحقوق المدنية للسود (1964)، بالإضافة إلى الأحكام القضائية التى صدرت عن المحكمة الدستورية العليا والقضاء الأمريكى. إلا أن الواقع يشير إلى أن علاقة الاستعلاء البيضاء «العُنفية» ضد السود فى الولايات المتحدة الأمريكية، على مدى هذا التاريخ الممتد وفى ظل هذه الإعلانات المتنوعة، لم تزل تتعرض لألوان من القهر الأبيض تجاه السود لم تتوقف ولم تنته بعد. الأخطر هو أن درجة ونوعية الكراهية تزداد مع كل دورة من دورات الكراهية البيضاء.
(2)
«الكراهية الخلاقة»؛
نعم تختفى هذه الدورات حينا ولكنها ما تلبث تعود لتجدد «الكراهية» البيضاء تجاه مواطنى أمريكا السود بأشكال وممارسات غير مسبوقة.. وهو ما لاحظه «هنرى دوماس» (قصصى وشاعر ولد عام 1935 واُغتيل على يد أحد أفراد الشرطة سنة 1968) وعبر عنه فى إحدى قصائده بما يلى:
«الكراهية أيضا خلاقة.. تخلق المزيد من الكراهية».
وحول الكراهية الخلاقة بدأ الباحثون والصحفيون والسياسيون فى محاولة فهم هذه الظاهرة المتجددة والمتكررة بكثافة منذ 2015 وإلى الآن. ففى هذا الإطار تم رصد ما يلى: أولا: تشكل حركات كراهية جديدة شابة مناوئة للسود ولكل ما هو غير أبيض. ثانيا: استخدام تقنيات التواصل الاجتماعى للتعبئة والتحريض ضد الملونين. ثالثا: نشر مفاهيم وأفكار ومفردات تصب فى استعادة النظرة التاريخية التى كرسها المهاجرون الأول حول الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها «أرض الميعاد» الجديدة «للبيوريتانيين (الأنقياء أو الأطهار) من الذين ينتمون إلى اللون الأبيض والعرق الأنجلو سكسونى». ومن ثم لا بد من غلق الباب وإقصاء غير المختارين الذين لا ينطبق عليهم الوصف سالف الذكر.. وهو ما يمارسه «ترامب» بدأب.
(3)
«كواليس ملحمة تشارلوتسفيل»؛
ولعل من أهم ما أسفر عنه البحث والتحليل حول دورات «الكراهية الخلاقة» المتجددة. هو ما جاء فى كتاب عنوانه: «ما وراء تشارلوتسفيل» «Beyond Charlottesville»؛ (صدر فى يوليو 2019). وهو الكتاب الذى كتبه حاكم ولاية فرجينيا الأمريكية السابق، تيرى ماك أوليف، التى تتبعها مدينة «تشارلوتسفيل» التى وقعت فيها الأحداث العنصرية ضد السود فى أغسطس 2017.. حيث يروى عن أحوال المدينة قبل الانتخابات الرئاسية التى أتت بترامب وما بعدها. وعن ما هو خفى فى «ملحمة تشارلوتسفيل» من حيث: أولا: كيف نظمت حركة «وحدوا اليمين» «Unite the Right»؛ نفسها، فيما وصفه حاكم المدينة فى كتابه «بحملة الإعداد لإطلاق المتاعب». ذلك لأن هدف هذه الحملة كان دعوة قوى اليمين القومى لإعلان «السيادة/ الاستعلاء الأبيض» الأمريكى، أو «White Supremacy». وقاموا بالدعوة إلى تنظيم مسيرة من أجل ذلك. وهو ما وصفه حاكم المدينة بحملة «إطلاق المتاعب». الثانى: عدم التصدى المناسب من قبل إدارة المدينة. بداية من رفض التصريح لانطلاق المسيرة. أو الحد من عدد المشاركين فى المسيرة. كذلك عدد الساعات المسموح بها لتنفيذها. ما من شأنه تقليل الاحتكاكات والخسائر خاصة فى داخل الحرم الجامعى. ما دفع حاكم الولاية إلى إعلان حالة الطوارئ خصوصا بعد استشراء التكسير والتدمير للرموز التى تعكس الوحدة الفيدرالية بالمدينة. ثالثا: رد الفعل الرسمى من قبل ترامب الذى بدلا من أن يدين المتشددين القوميين. نجده ينطق بعبارات عامة حول أن هناك كراهية من قبل جميع الأطراف. وهو ما نصح بالتراجع عنه لاحقا. ولكن «بعد فوات الأوان وحدوث الكارثة» بحسب مؤلف الكتاب.
(4)
أسباب ما جرى؛
ونخلص من الكتاب المذكور بالإضافة إلى كتاب آخر صدر فى الشهرين الماضيين بمناسبة الذكرة الثانية للواقعة عنوانه «تشارلوتسفيل: الاستعلاء الأبيض، الشعبوية، والمقاومة» «Charlottesvile: White Supremacy، Populism،& Resistance»؛ إلى أن هذه الواقعة تعكس الكثير من «التصدع والصراع» المجتمعى الداخلى فى أمريكا. وأن الدعوة إلى تبنى القومية البيضاء تمثل تراجعا تاريخيا وحضاريا عن مقولة «القدرة الانصهارية» التى تبشر بها الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم باتت هناك ضرورة لدراسة مستجدات السياق المجتمعى الأمريكى، وأسباب استشراء العنف وجغرافيته، وإعادة قراءة الخريطة الاجتماعية والثقافية والطبقية الأمريكية الراهنة. وأخيرا عدم القبول بالتحيز المؤسساتى للكراهية.