(1)
الخوف الكبير يتجدد
رصد الباحثون فى الأعوام الثلاثة الأخيرة «تجدد استشراء التعالى الأبيض حيال الملونين السود» فى الولايات المتحدة الأمريكية. فبالرغم من النضال الممتد ضد «العرقية» على مدى عقود كانت ذروته حركة الحقوق المدنية التى انطلقت فى الستينيات. وكانت تعبر عن تنظيم النضال المدنى ضد التمييز والتى أثمرت نصوصا تشريعية تؤمن المواطنة التامة بعنصريها العدالة والمساواة ومن ثم الحياة الكريمة. وبالرغم من تمكن أحد رموز المجتمع المدنى وصفوة متعلميها، من السود، من الصعود إلى أعلى موقع سياسى/إدارى فى البلاد هو موقع الرئاسة الأمريكية، وأقصد باراك أوباما. إلا أن الخطيئة الأمريكية الأصلية «American Original Sin» أو العبودية وإرث الاستعلاء الأبيض الأمريكى (راجع دراسة بنفس العنوان فى فورين أفيرز نشرت فى يناير/ فبراير 2018) بقى حيا ومتجددا وقابلا للاشتعال متى توفرت النية والرغبة والمصلحة.. وهو ما تحقق فى الزمن الترامبى؛ أو زمن الخوف الكبير بحسب ما بات يتردد فى الكثير من الأدبيات والمحافل.. لماذا؟.
(2)
التعامى المجتمعى والإثارة المؤسسية
مثل الخطاب الترامبى القومى والمتعالى شرارة انطلاق موجة جديدة للاستعلاء الأبيض تجاه ــ ليس فقط السود ــ وإنما الملونين فى العموم. أو كل من يتمتعون ببشرة مغايرة للون الأبيض من مهاجرين ووافدين إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وهى الشرارة التى أعطت الشرعية لممارسة العنف المؤسسى بكل أريحية ضد الملونين. ما خلق حالة من العمى أو العجز المجتمعى أمام ظاهرة فجة وممجوجة فى أمريكا ألا وهى العرقية والعلاقات المهينة والمنحطة التى تفرضها بحكم الكثير من العوامل.. وتجلت هذه الشرعية فى ما يلى: أولا: الخطاب الرسمى الترامبى تجاه الملونين فى العموم والسود خاصة. ثانيا: الموقف المؤسسى الشرطى، والمدنى، والحكومى الذى بفعل العديد من العوامل يعمل على تجديد مخرجات الماكينة العرقية كما كان الحال قبل ستينيات القرن الماضى. ثالثا: تلقف ما أطلقت عليه «جماعات الكراهية والعنف البيضاء»؛ التى ترى فى نفسها النقاء الأبيض المطلق لشرعية الاستعلاء. ومن ثم تجديد المناداة بمطلب تقسيم الولايات المتحدة الأمريكية إلى جنوب وشمال. وأن أمريكا لا تستحق أن يعيش فيها هؤلاء ممن ينتمون إلى أعراق أدنى. وتتكون هذه الجماعات من ثلاثة مكونات رئيسية هى: أولا: العرقيون الجدد. وثانيا: الفاشيون الجدد. وثالثا: النازيون الجدد (أحفاد الرايخ أو رماده بحسب جون ميتشام بمجلة التايم) الذين يحملون الفكرة الهتلرية فى ضرورة إعادة العضوية السياسية فى الدولة الأمريكية على أساس العرق النقى. ولا مانع أن يتم التوظيف تارة والتحالف تارة أخرى بين هذه الجماعات والمتشددين دينيا. وذلك من أجل تنفيذ مخططهم/حلمهم فى التفريغ العنصرى لأمريكا. وهو المخطط الذى يتم على مرحلتين هما: المرحلة الأولى: البدء، فورا، فى ظل شرعية الزمن الترامبى، فى هدم ما هو قائم تختلط فيه الولايات المتحدة الأمريكية بالغرباء والذين ليسوا منها. المرحلة الثانية: العمل مباشرة على إعادة بناء أمريكا بيضاء جديدة.. وقد كان حادث تشارلوتسفيل نقطة تحول تاريخية فى هذا السياق..كيف؟.
(3)
«تشارلوتسفيل: منصة انطلاق للاستعلاء الأبيض»
عكست واقعة المدينة الجامعية بتشارلوتسفيل بولاية فرجينيا الأمريكية فى 2017، والتى تتسم بالمدنية والحداثة. كما تعكس روح الانسجام المواطنى. كيف تم تنظيم مظاهرة من قبل النازيين الجدد للتحرش بهؤلاء المدنيين/المدينيين وخاصة السود منهم. أخذا فى الاعتبار مكانة وقيمة المدينة التاريخة فى الدفاع التاريخى ضد قادة تاريخيين نادوا بتقسيم أمريكا واستبعاد الملونين. إذن، اختيار المدينة لم يكن اعتباطيا.. وقد أسفرت، الواقعة، عن الكثير من التدمير والتكسير فى الممتلكات. والأسوأ دهس إحدى الفتيات. وجاءت ردة الفعل الشرطية المنحازة. كذلك تعليق ترامب الرسمى ليثبت مدى انحياز المؤسسات الأمريكية بداية من رأسها ممثلة فى ترامب ضد الملونين. صحيح اعتذر المستشارون عن التعليقات الترامبية الخارجة عن أى تقاليد رئاسية رصينة. إلا أنها، فى واقع الأمر، أكدت ما أصاب أمريكا من تصدع وجب الانتباه إليه.. ونشير هنا كيف أن واقعة تشارلوتسفيل قد حظيت باهتمام بالغ حيث صدرت مجموعة من الكتب فى عام 2019 حول ما جرى فيها.. نلقى عليها الضوء لأهميتها التاريخية والعلمية فى مقالنا القادم.