إذا ما عقدت دراسة مقارنة بين رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الـ45، حول الأكثر تعرضا للهجوم والنقد، سوف يحتل الرئيس «ترامب» المركز الأول، ليس فقط من حيث التعرض للنقد الحاد والقاسى،
وإنما الاتهام بأفظع الاتهامات.. اتهامات لاحقته منذ اليوم الأول لتوليه الرئاسة (يناير 2017) التى يعتبرها البعض «مفاجئة» وغير مستحقة. وساهم الأداء «الصادم»، لترامب، فى كثير من المجالات، ليس على تأكيد الاتهامات وتكرارها، وإنما تأجيج الحملة ضده والتى وصلت إلى الدعوة إلى عزله وعدم استمرار مدته الرئاسية.. لماذا؟!
(2)
فمنذ الشهور الأولى لتوليه المهمة وجدناه: أولا: يقف معاديا لما بات يعرف فى الأدبيات السياسية بالدولة العميقة ومؤسساتها. وثانيا: تبنى خطابا عدائيا تجاه المواطنين الأمريكيين من ذوى البشرة السوداء. خطابا، اتسم بالشماتة والاستعلاء ردده أكثر من مرة عقب أعمال العنف التى قام بها، من أطلق عليهم «جماعات الكراهية البيضاء» تجاه السود فى أكثر من مكان.. مستعيدا تراث النخبة «الأنجلو ـ سكسونية البيضاء» المتعالية والمتعجرفة ضد المغايرين. ثالثا: انحاز لسياسات أخلت بالمساواة- نسبيا ـ بين الأغنياء والفقراء. وهو ما عبر عنه كثير من المعلقين بأن ترامب يروج لفكرة الانقسام الأمريكى المجتمعى: الطبقى، والجيلى، والثقافى،...،إلخ. رابعا: الانسحاب الأمريكى: قولا وفعلا. فلم تعد أمريكا تعلن رأيها تجاه ما يحدث من تفاعلات فى أنحاء العالم. كما انسحبت من التواجد المادى فى أكثر من موقع ساخن. والأهم هو فك ارتباطها بالشراكة الأوروبية التاريخية. والميل إلى الانعزال. والاكتفاء بالعودة لدورها التاريخى فى مناطق النفوذ التقليدية وتحديدا: أمريكا اللاتينية. وخامسا أخيرا: الانسحاب من تحمل التزاماتها الدولية الموقعة عليها فى أكثر من معاهدة دولية مثل «الردع النووى».. هذا ناهيك عن علاقة مريبة وغامضة ومقلقة مع كل من كوريا الشمالية وروسيا.. ساهم كل ما سبق فى أن يقف، ناقدا ومراجعا وساخطا على كل من: الإعلام، والكونجرس بما يضم من أعضاء ديمقراطيين وعدد معتبر من أعضاء الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه ترامب. بالإضافة إلى الشباب وكثير من شرائح المجتمع.
فى هذا المقام، نشير إلى محاولات الباحثين والكتاب الاستراتيجيين والإعلاميين لفهم الظاهرة الترامبية من جميع جوانبها. فلقد صدرت عشرات الكتب فى السنتين السابقتين متجاوزة كل ما هو متعارف عليه فى التعاطى مع رؤساء أمريكا كاشفة عن الكثير من الجوانب المثيرة غير المسبوقة فى تاريخ الإدارات الأمريكية.
(3)
من هذه الكتب نذكر أولا: كتاب الصحفية الكبيرة «ناعومى كلاين»،(صاحبة مجلد «الصدمة») المعنون: «لا: ليست كافية» (300 صفحة ــ2017)، والتى تشرح فيه الملابسات التى أدت بأمريكا إلى وضع مأزوم. كما تشرح كيف أن ترامب ما هو إلا ممثل لطبقة أصحاب الشركات الاحتكارية فى الإدارة/الحكومة الأمريكية. وتحرض الأمريكيين على رفض الوضع الراهن من خلال التحرك الشعبى.. كذلك ثانيا: كتاب «ترامب: تشريح البشاعة» (400 صفحة ــ2017)، والذى يدعو فيه مؤلفه إلى عدم الحزن بسبب ما آلت إليه الأمور. وضرورة هزيمة الظاهرة الترامبية (الوحش) بمجموعة من السياسات التنظيمية خاصة مع تبرؤ اليمين الليبرالى منه.. كما نذكر ثالثا: كتاب «الحالة الخطرة لدونالد ترامب» (2018 ـ 300 صفحة)، حيث يضم الكتاب مقدمة عن طبيعة المجال السياسى و27 دراسة نفسية يقوم بها متخصصون لفهم البعد النفسى للظاهرة الترامبية من خلال تقييم ممارسة ترامب لعمله السياسى ومدى ما تعكسه من إشكاليات نفسية، كذلك تحليل مضمون خطاباته العامة وتغريداته قبل الرئاسة وبعدها. ويعكس رابعا: كتاب «حرب ترامب الإعلامية» (300 صفحة ــ 2019)، التوتر السائد بين الرئيس والإعلام الذى يعبر عن تيار رئيسى يخاصم ترامب كليا.. هذا بالإضافة إلى الكتب التى تحمل أسرار اتصالاته السرية أو خلافاته المتكررة مع معاونيه.. وكلها تصب فى تعبئة الرأى العام ضد إدارة ترامب الحالية وتتجاوز الرفض المعنوى إلى ما هو أكثر من ذلك.. فماذا ستسفر عنه المواجهة المتنامية.. هذا ما سيجيب عنه المستقبل.