(1)
استكمالاً لما كتبناه حول الجيل الجديد من المبدعين فى شتى المجالات، والذى قدم إبداعاته المتنوعة من خلال معرض الكتاب، ما يطمئننا على المستقبل، نشير إلى ظاهرة إيجابية أخرى فى غاية الأهمية، ألا وهى هذا الإقبال على كتب ثورة 1919
بمناسبة مئويتها التى نحتفل بها فى شهر مارس الذى يهل علينا خلال ساعات. إقبال تمثل فى «طابور»- نعم طابور- على مجموعة الكتب التى قامت بطبعها الهيئة العامة لقصور الثقافة حول ثورة 1919 من خلال سلسلة: «ذاكرة الكتابة».. وهو أمر يسعدنا من جهة، ويثير السؤال، وربما أكثر من سؤال، حول ظاهرة «طابور الكتاب»، إن جاز لنا الوصف..
(2)
بداية اختار مسؤولو النشر مجموعة من العناوين التى تجسد فى مجموعها رؤية تفصيلية لأحداث ثورة 1919، وهى الثورة التى فى ظننا، ومن منظور المواطنة، أنجزت ما يلى: أولاً: أطلقت حركة المصريين النضالية من أجل الاستقلال الوطنى بمعناه الواسع وبمستوياته المتعددة. وثانياً: أسّست للمجال العام، السياسى والمدنى، بمؤسساته المتنوعة: الحزبية، والأهلية، والتعليمية، والفنية، والثقافية.. إلخ، وفق نص دستورى قد نتفق عليه أو نختلف على ما جاء فيه من نصوص، إلا أنه، وفى الحالين، لا يسعنا إلا أن نعده نصاً تأسيسياً فى مسار الحركة الدستورية المصرية.. لذا وصفها مسؤولو سلسلة «ذاكرة الكتابة»، فى معرض تقديمهم للكتب المختارة لإعادة النشر، بأنها: «الثورة التى (ألهمت) شعوب العالم الساعية للتحرر».. فى هذا المقام، تم نشر الكتب التالية: أولاً: «فى أعقاب الثورة المصرية: 1919»، جزءان، للأستاذ عبدالرحمن الرافعى. ثانياً: «ثورة 1919: تاريخ مصر القومى من سنة 1914 إلى سنة 1931»، للأستاذ عبدالرحمن الرافعى. ثالثاً: «سعد زغلول وثورة 1919»، للدكتور عبدالخالق لاشين. رابعاً: «دراسات فى ثورة 1919»، للدكتور حسين مؤنس. خامساً: «ثورة مصر 1919: دراسة تاريخية تحليلية»، للدكتور عبدالعزيز الرفاعى. سادساً: «تأملات فى ثورة 1919»، للأستاذ محمد عبدالفتاح أبوالفضل. سابعاً: «بريطانيا وثورة 1919 المصرية»، للدكتور مكى الطيب شبيكة. ثامناً: «سجين ثورة 1919»، للدكتور محمد مظهر سعيد.. وفى هذا الإطار، كم أتمنى أن تواصل «ذاكرة الكتابة» نشر دراسات أخرى فى سنة المئوية. ونذكر على سبيل المثال: كتاب محمد صبرى السوربونى «الثورة المصرية» بقسميه، وكتب دكتور عبدالعظيم رمضان حول هذه الفترة، وكتاب الأستاذ طارق البشرى «سعد زغلول يفاوض الاستعمار»، كذلك لا ننسى مذكرات سعد زغلول، وعبدالرحمن فهمى، ومراسلات الأول للثانى، والتى قدم لها الدكتور محمد أنيس.
(3)
ويؤكد الإقبال على كتب ثورة 1919- والذى نفدت معه كل الكمية المطبوعة- أن الأجيال الجديدة تبحث عن «سردياتها التاريخية الوطنية الفاعلة»، ليس لتقديسها، بل غنم للاسترشاد والتعلم، والتماس الدعم فى مواجهة تحديات الحاضر، كذلك توظيفها «كبوصلة» تحدد مسارات المستقبل. وحسب أحد الباحثين المعتبرين، فى معرض تفسيره لـ«النزعة القومية المتجددة الراهنة»، التى يرصدها فى أكثر من دولة، يقول: «لا غنى عن ضرورة استعادة الذاكرة الوطنية التى تشكل الصيغة القومية الذاتية لشعب من الشعوب فى مواجهاته واشتباكاته مع الحاضر وتطلعاته المشروعة نحو التقدم».. ولا يمكن القبول بأن يكون نصيب لحظات التغيير فى تاريخنا الوطنى: 1919، أو يوليو، أو 25 يناير، أو 30 يونيو، مجرد سطور فى مناهج التاريخ، أو اختزالها فى الأغانى التى ترددت فى كل لحظة من هذه اللحظات.. وظنى أن هذا يفسر الإقبال الشبابى على ما يؤمن له المعرفة.. تحية للأخين العزيزين الدكتور أحمد زكريا الشلق، رئيس تحرير سلسلة «ذاكرة الكتابة» ومعاونيه، والأستاذ الشاعر جرجس شكرى، أمين عام النشر لهيئة قصور الثقافة، حيث قدما خدمة كبيرة للأجيال الجديدة فى أن تستعيد بعض ذاكرتها الوطنية النضالية «المُلهمة» للتقدم والنهوض.