شيخ الأزهر وبابا روما فى أبو ظبى

بدعوة كريمة من مجلس حكماء المسلمين، الذي يرأسه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شاركت في فعاليات المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية على مدى يومي الأحد والإثنين الماضيين وذلك في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة. وقد تم التخطيط للقاء، لمواكبة أمرين هما: الأول: مناقشة قضية الأخوة الإنسانية؛ وما يواجهها من تحديات، وما يعترضها من إعاقات في سياق عام التسامح الذي أعلنته الإمارات في 2019. الثاني: استقبال البابا فرانسيس بابا روما (المرجعية العليا للكاثوليكية في العالم) في زيارته الأولى من نوعها إلى شبه الجزيرة العربية. وفي ضوء نقاشات المؤتمر، والمشاورات بين بابا الفاتيكان ومولانا شيخ الأزهر، يتم الإعلان من أبو ظبي، عن وثيقة الأخوة الإنسانية وإطلاقها لشعوب العالم...أجمع


وقد كان الخط الناظم والرابط بين الفاعلية المركبة وعناصرها متعددة المستويات، هو التأكيد على إعادة الاعتبار للتنوع، وتثمينه، والبحث عن سبل استنهاض الفعل الجماعي التعددي دون استثناء أحد. وتوجيه العمل الإنساني المشترك من أجل مستقبل أفضل للبشرية وتقدمها...

فحمل المشهد في أبو ظبي، التأكيد على، أولا: الإمارات كحاضن تعددي لعديد من الثقافات تعيش وتعمل على أرضها (أكثر من 200 جنسية من مختلف أرجاء العالم تعيش وتعمل في الإمارات). وثانيا: دعوة كل ألوان الطيف الإنساني/الفكري لتبادل الأفكار حول الأخوة الإنسانية: منطلقاتها، والمسئولية المشتركة للأفراد والمنظمات المختلفة والحكومات في تحقيقها، والتحديات التي تواجهها، والفرص المتاحة والمبادرات المطلوبة لنجاح تفعيل الأخوة الإنسانية. وثالثا: تجسيد الأخوة الإنسانية، عمليا. وذلك من خلال اللقاء الروحي بين مرجعيتين روحيتين كبيرتين. ورابعا وأخيرا، إطلاق وثيقة مرجعية تنحاز للإنسان المعاصر. وتسعى لازدهاره وتقدمه من خلال تيسير الشراكة الإنسانية الكوكبية الفاعلة. ليس بين أهل الأديان فقط، وإنما بين المنتمين للثقافات المتعددة أيضا.

وقد اجتهدت الورقة الفكرية الإطارية للمؤتمر (من خلال الجلسات وورش العمل) أن تلفت النظر إلى وجود تحديات تواجه الإنسانية، لا يمكن تجاهلها أو التقاعس في مواجهتها. ما يؤدي إلى نتائج سلبية خطيرة على العلاقات بين الشعوب والأمم المختلفة، وعلى الواقع بالتالي. وأنه لن يتسنى مواجهة التحديات إلا انطلاقا من، أولا: الإيمان المشترك بأن الإنسانية كلها عائلة واحدة، وأن الإنسان هو خليفة الله في الأرض، وأنه مؤتمن على عمارة الكون وسلامته حتى يرث الله الأرض ومن عليها...وثانيا: انطلاقا من أن رسالات السماء كلها تدعو إلى المحبة وإلى احترام كرامة الإنسان وحقوقه، وفي مقدمتها حقه في الحرية وفي الحياة الكريمة...وثالثا: انطلاقا من الإيمان بأن الاختلافات بين البشر قائمة ومستمرة بإرادة إلهية، وأنها غير قابلة للإلغاء، وأنها تستحق كل الاحترام والتقدير.

ويعكس ما يمكن وصفه بالمنطلقات الموحدة الثلاثة السابقة؛ بدء تأسيس جديد يقوم على تجديد إعادة بناء جسور التعارف والتآلف والاحترام والمحبة، التي لابد منها من أجل عبور الإنسانية للتصدي معا للتطرف الفكري ولنتائجه التدميرية السلبية التي عانت منها الإنسانية طويلا. أو بحسب ما أطلقت عليه أخيرا النزعة التدميرية. والبدء فورا في عملية تفاعلية تقوم على إرساء قاعدة جديدة للشراكة الإنسانية المُبدعة بين أهل الأديان والثقافات المتعددة؛ تقوم على احترام التعدد والاختلاف وتوطيد عُرى الأخوة بين الناس، وبناء صرح الثقة المتبادلة بينهم، ومواجهة التحديات التي تفترض طريق الإنسانية نحو الازدهار والتقدم.

نعم أتت الفاعلية المركبة بمبادرة إسلامية مسيحية إلا أنها: بما طرح فيها من أفكار وتفاعلات حية، تتجاوز حدود الانتماء الديني والمذهبي إلى الآفاق الرحبة للإنسانية بكل ما تتضمنه من ألوان طيف متنوعة (بحسب وصفنا لوقائع لما أطلقت عليه الفاعلية المركبة في إحدى الندوات الفكرية التي نظمتها سكاي نيوز العربية في متابعتها)...فالحضور لم يكن مقصورا على رجال الدين فقط وإنما كان هناك: المفكرون، والباحثون، والإعلاميون، والسياسيون،...،إلخ. كما كان هناك تمثيل للثقافات المتنوعة من كل أرجاء الدنيا. ما نقل الحوار من الدائرة الدينية المحض إلى دوائر فكرية شتى تعبر عن الحقول المعرفية المختلفة.

كما حرصت الفاعلية المركبة على التركيز على الهموم الكثيرة التي تعاني منها الإنسانية بانتماءاتها المختلفة. ومن ثم التوصل إلى أفكار قابلة للتطبيق على أرض الواقع همها الإنسان وهدفها تقدمه، أي إنسان وكل إنسان. وكيفية تمكينه من مواجهة صور المعاناة المختلفة. إنها دعوة حضارية كوكبية جديدة تنتهج نهجا مغايرا لما عرفناه. وتعتمد إعادة هندسة مبتكرة، للعلاقة بين أطياف البشر، بعيدا عن الممارسات التصنيفية، وأحكام التمييز والإقصاء والغلبة والإكراه. والممارسات العُنفية المادية المباشرة ضد المختلفين.

ومن الأمور التي يجب تسجيلها هو إدراك الورقة التحضيرية بأثر المصالح السياسية والاقتصادية والتكنولوجية على تفاقم الأوضاع في كثير من المناطق. ودور هذا التفاقم في إشعال النعرات الدينية والمذهبية. وعليه لابد من دق جرس الإنذار وايقاظ الضمير الإنساني لأهمية اصطفاف التنوع البشري واستنفار الأخوة الإنسانية من أجل المواجهة الشاملة لكل صنوف القهر والظلم والاستغلال والأوضاع البائسة من تهميش وعزل وتهجير...في هذا السياق ولدت وثيقة الأخوة الإنسانية، ذات الموقف النقدي، والمنحازة للإنسان وللإنسانية.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern