بنهاية كل عام، تحرص الدوريات والمطبوعات ومراكز الأبحاث على تقييم حصاد السنة المنصرمة، ثم تضع توقعاتها، وترسم ملامح العام الجديد فى شتى المناحى.
وأحرص دوماً- لسنوات- على متابعة هذا الجهد لأهميته القصوى التى تعكس ردود أفعال على فترة منصرمة وتصورات لفترة قادمة، خاصة إذا ما كانت تعبر عن اتجاهات ومصالح جهات عديدة. وانطباعاتى الأولية عليها (المتابعة) تشير إلى ما يمكن رصده فى الآتى:
أولًا- التأكيد على «حراجة» اللحظة التاريخية الكونية.
ثانيًا- الإقرار الواضح بخطورة التحديات التى تواجه إنسان/ مواطن هذا العالم، من خلال اللامساواة المتزايدة بين قلة «تستأثر» بالثروة، وكل شىء، وأغلبية لا تحصل إلا على القليل مما «يتساقط» منها. كما أنه عليها دفع تكلفة الكثير من الفواتير عن «القلة المستأثرة».
ثالثا- الاتفاق على «تمدد» الظاهرة الضاغطة، المنتشرة عبر الكوكب، والمسماة «بالشعوبية». وهو وصف، فى ظنى، غير دقيق لأنه يستدعى المفهوم فى تجليه القديم التاريخى الذى عرفناه وهو غير ذلك كليا.
إنها الظاهرة التى حاولنا شرح طبيعتها و«ديناميكيتها»، وما يحكمها من توجهات فى سلسلة مقالاتنا المعنونة: «الحركات المواطنية الجديدة»، ذات الطبيعة القاعدية، والتى تتبع «مبدأ المواطنة» وقيمها قبل الأيديولوجيات، والزعامات الشعبية الكاريزمية (راجع مقالاتنا الخمسة الأخيرة)... فى هذا السياق، نجمل «الاستحقاقات» المطلوبة، والبدائل المرجوة للعالم فى 2019.
(2)
فى مجال السياسة/ العلاقات الدولية سوف يشهد العالم تزايدًا للقوى البازغة والنامية، مثل الهند، والصين، وبالطبع روسيا التى تطرح نفسها شريكة فى إدارة العالم. ومن ثم تبلورًا أكثر «لعالم متعدد القطبية»، على حساب مفاهيم «الإمبراطورية»، و«القوة العظمى الوحيدة»، و«الثنائية القطبية»... وفى مجال الديمقراطية، يتوقع الخبراء أنها ستشهد عاما حافلا من حيث:
أولا- أكثر من ثلث سكان العالم سوف يشاركون فى عمليات انتخابية متنوعة، مثل الهند ذات الديمقراطية العريقة، وإندونيسيا، ونيجريا، و... إلخ. بالإضافة إلى البرلمان الأوروبى.
وثانيا- الاستمرار فى التحرك القاعدى دفاعًا عن منظومة الحقوق الأساسية والعدالة، والكرامة الإنسانية. والرافضة للسياسات السائدة للقديم مؤسسيًا، ونخبويًا. وفى هذا المجال تعددت الأفكار حول كيفية تعميق التصورات لمفهوم «الشراكة المواطنية» للمواطنين، من خلال المجال العام، السياسى، والمدنى. أما فى مجالى الاقتصاد والتكنولوجيا، فيمكن القول إن المؤسسات المالية العالمية والجهات العلمية الأكاديمية قد وضعت ملف اللامساواة على قمة اهتماماتها؛ نظرا لتفاقمها، بما بات يضر بالحياة الإنسانية. وهو ما أكده صندوق النقد الدولى على لسان المسؤولة عنه أن وضع اللامساواة الراهن هو وضع خطير فى ذاته.
كما أنه أصبح يمثل عقبة حقيقية أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة المستحقة الإنجاز فى 2030. وتكنولوجيا، سيستمر تضاعف الإقبال على استخدام تقنيات شبكات التواصل الاجتماعى التى من المتوقع أن يتجاوز عدد مستخدميها أكثر من نصف عدد سكان الكرة الأرضية، ما يخلق حالة عقلية ومعرفية مشتركة مليارية عابرة للحدود والأوطان والأعراق. ومؤسسة لجيل جديد «ألفى» (نسبة للألفية الثالثة) مفارق ومغاير لأجيال محسوبة على أزمنة فائتة. أو لنقل جيل «ما بعد جوجل».
أما عن المجال الثقافى، فسيشهد 2019 مئويات متعددة، مثل مرور 500 عام على وفاة «دافنشى» فنان عصر النهضة الأبرز والأشهر، وذكرى مولد «غاندى» الـ150. و50 سنة على هبوط إنسان على القمر. وكلها مناسبات يتم الإعداد لها بدأب، بهدف إطلاق الكثير من الحوارات الإنسانية الحيوية، بما يفيد الحاضر والمستقبل.
(3)
الخلاصة: هناك حيوية يلمسها المرء من المتابعة العامة التى تعكس الاستعداد المبكر لعام يتمناه الكثيرون مختلفًا ومعبرًا عن أحلام وتطلعات ومطالب الناس/ المواطنين... بالطبع هناك موضوعات كثيرة فرعية تحظى بالاهتمام نلقى الضوء عليها لاحقا... عام جديد سعيد.