لماذا تستخدم مصطلح «المواطنية»؟
طَرَح علىّ هذا السؤال الأستاذ الدكتور فؤاد خلف، المسؤول عن برنامج الماجستير بقسم البترول والتعدين بهندسة القاهرة، يوم الأحد الماضى، عندما كنت أتحدث عن «القيم الثقافية المعوقة والمعطلة للمواطنة»؛ تلبية لدعوته للحديث مع طلبة البرنامج- تشرف على تدريس كورس المخاطر الاجتماعية فيه الأستاذة الدكتورة الرائدة سهير لطفى، المدير الأسبق للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية- بحضور الأستاذ الدكتور المستنير محمد الطيب، رئيس قسم البترول والتعدين وكوكبة متميزة من طلبة الماجستير.
وينم السؤال عن انتباهٍ ووعىٍ كبيرين للدكتور فؤاد لما نحاول قوله عن التحولات الكبيرة التى تطرأ على القارة الأوروبية، توقعناها منذ عام 2016، من خلال العديد من الكتابات.. لماذا؟
(2)
«المواطنية» هى المبدأ الحاكم (يتضمن مجموعة قيم) والذى بات يعتنقه الملايين من المواطنين (تبلغ نسبتهم 30%، وقد شرحنا أكثر من مرة انتماءاتهم الطبقية). هؤلاء الذين كفروا بالوعود السياسية فى تحسين أحوالهم التى دأب على إطلاقها سياسيّو ما بعد الحرب العالمية الثانية وأحزابها، خاصة أنها باتت تسوء أكثر فأكثر مع التمادى فى تطبيق السياسات النيوليبرالية. واكتشافهم أن عليهم دفع الأثمان الباهظة لآثارها الجانبية العالية والمتعددة «الأخطار» الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية بالطبع.
(3)
أى أن «المواطنية» أصبحت فكرة جامعة للمواطنين على اختلافاتهم: اليمينى واليسارى، والمواطن الأصلى أو الوافد المندمج أو غير المندمج، والدينى واللادينى، والمنخرط فى العمل الحزبى أو فى كيانات المجتمع المدنى أو غير الناشط... إلخ.
ذلك لأن ما بات يجمعهم- قبل الأيديولوجيات: السياسية، والفكرية. والعقائد- هو كيفية مواجهة: أولا، غياب أو ضعف أو تضاعف تكلفتها «الأوليات الحياتية»، التى لا بد من تأمينها، لأنه دونها لا تستقيم الحياة، وثانيا، استشراء «الآفات البنيوية» التى أحكمت خناقها على المجتمع ومواطنيه مثل الفساد، وثالثا، ترهل «المؤسسات والنخب» وعدم قدرتها على مواكبة التحولات الكبرى المطردة على أكثر من صعيد.. من جهة، كذلك فشلها فى معالجة الأزمات المتعاقبة من جهة أخرى.
(4)
لذا، وكما ذكرنا من قبل، تقوم «الحركة المواطنية الجديدة» فى تعبئتها وتنظيمها ليس على عضوية فئوية محددة. وإنما على «الكتل الجماهيرية» ذات الانتماءات المتعددة وربما أحيانا المتناقضة، كما أن العضوية فيها مفتوحة ومؤقتة، وليست مغلقة ودائمة.
كذلك يفسر، أيضا، «التعاطف» الذى نراه من قبل عناصر الأمن وسائقى سيارات الإسعاف مع مطالب حركة «السترات الصفراء»، دون أن يخل ذلك بأداء هذه العناصر لوظائفها، أى أن «المواطنية» لا تمنع من أن يكون للمواطن تحيزاته الفكرية والسياسية والوظيفية، ومن ثم أن تكون له عضوية أصلية، لأن الدفاع والتحرك من أجل «المواطنية» كمبدأ مجتمعى وإنسانى أصيل هو مبدأ جامع للمختلفين وغير المتماثلين.
(5)
وفى هذا المقام، أشير إلى ملاحظة أبداها الدكتور فؤاد خلف عن الطبيعة الشبابية التى ميزت ثورة الطلبة فى 1968ومطالبها. وقد كان من شهودها حيث كان يدرس آنذاك فى فرنسا. وهو ما أوافقه عليه. إلا أن «حركات المواطنية الجديدة» تضم الشباب، وتحمل إشكاليات الجيل الجديد، ولكن يضاف إليها إشكاليات فئوية متنوعة، والأكثر أنها استطاعت أن تجذب طلبة ثانوى إليها.
والجديد الذى صنعته «حركات المواطنية الجديدة» هو خلق مشترك بين الفئات المستبعدة من السلطة والثروة من جانب، والمهمشة/ المنسية/ المنبوذة من الجسم الاجتماعى من جانب آخر، أو ما بات يعرف فى إنجلترا بطبقة «البريكاريات».
إذن هى حركات عابرة للأجيال والطبقات والثقافات، وحد بينها المواطنة كمبدأ يتضمن مجموعة قيم مثل: المساواة، والعدالة، والحرية، والكرامة الإنسانية، واكتساب الحقوق بأبعادها، والاقتسام العادل للثروات العامة للبلاد... إنها «المواطنية».