الحركات المواطنية الجديدة «1» «قارة تتجدد»

تشهد فرنسا منذ أكثر من 10 أيام احتجاجا جماهيريا على زيادة أسعار الوقود. عرف بحركة «السترات الصفراء»، Yellow Vest Movement»؛... وليست هذه المرة الأولى التى يتحرك فيها المواطنون فى فرنسا. ففى عام 2016 انطلقت حركة عرفت «بالواقفين ليلا» والتى تكونت من الشباب ــ بالأساس ـ وبالمهنيين الصغار. وانضم لهم مع مرور الوقت فتيان/ فتيات ثانوى. وذلك لمواجهة «قانون العمل غير العادل»، الذى أعلنته وزيرة العمل الشابة ميريام خمرى (من مواليد 1978 ومن أصل مغربى وعينت وزيرة للعمل فى سبتمبر 2015)، والذى ينحاز بالمطلق لأصحاب العمل، ويخل بكثير من المكتسبات الاجتماعية...

(2)

وبعد أقل من عام، تشكلت حركة ميدانية/ جماهيرية جديدة تحت اسم «إلى الأمام»، خاضت الانتخابات الحزبية الفرنسية، آنذاك، تحت قيادة جديدة شابة هى ماكرون. قيادة من خارج «دولاب» العمل الحزبى التاريخى التقليدى الذى عرفته فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية. وذلك فى محاولة «إصلاحية» للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التى تزداد «افتئاتا» على الشرائح الوسطى والفقيرة. وها هى سياسات ماكرون وبعد ما يزيد على العام تواجه بحركة «السترات الصفراء»...

(3)

إن ما يحدث فى فرنسا لا تنفرد به وحدها فى القارة الأوروبية. وقد سبقها وواكبها وسوف يتبعها الكثير من هذه النوعية من الحركات. وهو ما درسناه وتابعناه وكتبنا عنه الكثير. وقلنا إن هناك «حركية مجتمعية جديدة» تموج فى القارة الأوروبية على اختلاف سياقاتها، بدرجات متفاوتة (راجع دراستنا الحركية المجتمعية الجديدة فى أوروبا: من صيغة المواطن ــ الدولة إلى الكتل الجماهيرية أو الحركات المواطنية الجديدة ــ شبكات المصالح»، الديمقراطية، يوليو 2018)... وفى هذا السياق، من الأهمية بمكان دراسة جذر اللقطة الاجتماعية ومساره وامتداداته...

(4)

فالثابت، أن أزمة 2008 الاقتصادية قد أطلقت «سخطا جماهيريا»، أوروبيا، غير مسبوق. وبحسب أحد المفكرين: «متى احتدم السخط الجماهيرى، تتجدد الحاجة إلى بداية جديدة»... لذا فإن المتابعين يتوافقون على أن ما يحدث فى أوروبا منذ عام 2009 هو (عصر جديد من الاحتجاج والتنظيم»، «New Age of Protest & Organization»؛ سعيا إلى «تأسيس لزمن جديد» بفعل تحولات مجتمعية شاملة غير مقروءة من قبل النخبة/ المؤسسة السياسية التقليدية التى صارت مع مرور الوقت «مغلقة» على نفسها وضيقة على استيعاب قيادات وأجيال بازغة... ومن هنا ذكرنا ذات مرة، قبل سنوات، بأن أوروبا، وليس فرنسا، مقبلة على زلزال سياسى وحزبى)... وأتذكر هنا المقولة المهمة التى أطلقتها صحيفة «الجارديان» بأن «الحركات المواطنية الجديدة» ينجزون «قطيعة جريئة» مع «تقاليد الماضى السياسية»، سواء عن طريق الاحتجاج أو الانتخاب. ويكرسون لعملية سياسية جديدة من خارج «المؤسسية الحزبية» القائمة، سواء بتأسيس حركات أو أحزاب جديدة من جهة. أو الاحتجاج الميدانى من جهة أخرى... لذا هى لحظة «مخاض» لأوروبا بامتياز... أو لنقل لحظة «تجدد قارة»...

(5)

وأى حديث على أن ما يحدث فى أوروبا هو إحياء لـ«الحركات القومية» أو «الشعبوية» هو حديث «سطحى»، يحكم بالظاهر... فإن ما يجرى فى أوروبا عميق جدا تقوم ببلورته «كتلا جيلية واجتماعية» جديدة نوجز ملامحه فيما يلى: أولا: النقد الشديد للديمقراطية التمثيلية التى لا تعبر إلا عن مصالح القلة الثروية (أو ما أطلقت عليه شبكة الامتيازات المغلقة). وثانيا: أنه آن الأوان للتفكير الجدى فى الأخذ بالديمقراطية التشاركية فكرا وفعلا. ثالثا: توسيع القبول بشرعية التشكيلات الحركية المتنوعة التى باتت تتكون من خارج الأحزاب التاريخية التقليدية. رابعا: كسر الحصار الخفى المانع من امتداد حركة المناهضة من المدن إلى الضواحى... ونواصل خريطة هذه الحركات فى عموم القارة الأوروبية وتنوعاتها الفكرية...

 


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern