عالم جديد وفكر قديم

فى اليوم التالى لمباراة مصر وتونس والتى استطاع فيها السوبر نجم «مو صلاح» أن يحرز هدفا بديعا: تحضيرا، وتمريرا وتصويبا، فازت به مصر على منافس تاريخى عتيد. أثار الإعلامى المخضرم عمرو أديب قصة مُبكية/ مضحكة حول إلغاء إدارة أحد مراكز الشباب الريفية لعضوية «محمد صلاح» نظرا لأنه لم يدفع الاشتراك السنوى. ومن ثم منعه من ممارسة حقوق العضوية وواجباتها، علما بأن المبلغ المطلوب سبعة جنيهات مصرية فقط لا غير. وقد حاول البعض تسديد قيمة الاشتراك إلا أن موظفى المركز رفضوا قبول المبلغ نظرا لأن اللائحة تحتم حضور الشخص بنفسه لتسديد الاشتراك.

(2)

فهل من المقبول التعنت فى تطبيق اللائحة مع محمد صلاح الذى صار حديث العالم بإبداعه فى مجال كرة القدم الرياضة الكوكبية الأولى. وقدرته، فى وقت قصير، أن يضع اسمه ضمن قائمة عظماء اللعبة. بالإضافة إلى «كاريزمته» الإنسانية الجميلة عظيمة الأثر على كل من يتابعه. والأهم أنه بات مع كل لمسة ساحرة من لمساته، وكل هدف بديع من أهدافه يستحضر اسم مصر «فى جملة مفيدة» (كما يقول الشاعر أحمد حداد).. والأهم أنه بالرغم من الشهرة والنجاح لم ينس مصر. فنجده حريصا على المشاركة فى مباريات المنتخب. ومنتبها لضرورة عمل الخير. ومقدما صورة للشاب المصرى الطموح الذى ترقى فى مسار النجاح من خارج المسار المحلى النمطى المعوق. لذا عمل على تطوير نفسه بنفسه بمعايير العالم الجديد: المطرد التقدم. حيث كرة القدم- شأنها شأن كل مجال فى العالم الجديد- يحكمها «العلم والتكنولوجيا والاقتصاد المتخصص فى الرياضة». وليس «الفهلوة والشللية والسبوبة»!

(3)

وتعكس الواقعة، على بساطتها، مدى جمود «البيروقراطية»، وتوحدها بحرفية اللوائح ذات النصوص الجامدة.. فالظاهر أن الموظف ينفذ القانون. كذلك ينفذه على الجميع دون تمييز. وهو أمر محمود ولا شك.. ولكنه تمسك فى غير محل.. وفى هذا المقام، لابد من تذكر العبارة العبقرية التى وردت فى فيلم «مراتى مدير عام» (قصة عبدالحميد جودة السحار، وسيناريو وحوار سعد الدين وهبة، وإخراج فطين عبدالوهاب) الذى تقول فيه شادية: «ما فائدة بناء أبنية جديدة والعقل يبقى قديما كما هو».. وقديما طرح الإنجيل سؤالا- يصلح للطرح فى كثير من المجالات- مفاده: «هل السبت فى خدمة الإنسان؟ أم الإنسان فى خدمة السبت؟».. بلغة أخرى: هل القوانين واللوائح فى خدمة الإنسان والمجتمع وتقدمه، أم العكس؟ وهل يستقيم «التعسف» مع شخصية أنجزت فى مجال ما. واكتسبت تقديرا وطنيا وعالميا. وباتت مشهورة ومحبوبة ومُقدرة، بحجة نصوص «لائحية» عاجزة.. فمن الثابت أن القوانين- خاصة الإدارية- فى البلدان الناهضة تكون من المرونة كى: أولا: تواكب التطور. ومن ثم مرنة وقابلة للتغير دون الإخلال بالعدالة. وثانيا: تيسر على المواطنين حركتهم فى الحياة اليومية.

(4)

تحتم علينا هذه الواقعة أن ننتبه إلى أن العالم الجديد ذا الطبيعة الرقمية والشبكية والتكنولوجية المعقدة يحتاج منا إلى فكر جديد وروح نشطة قادرة على استيعاب المستجدات المتلاحقة. ومن ثم إعادة النظر فى جهازنا الإدارى ولوائحه (راجع سلسلة مقالاتنا فى «المصرى اليوم» المعنونة: الشفرة السرية للبيروقراطية المصرية). وهو أمر لن يتأتى إلا بما يلى: أولا: اللامركزية. ثانيا: المحاسبة المواطنية للجهاز الإدارى. ثالثا: الرقابة الدائمة المانعة للفساد وتغول البيروقراطية وتحولها من جهاز يعمل فى خدمة المواطنين إلى سلطة ثقيلة عليهم. رابعا: نصوص إدارية لا تتوقف عند الطابع الإجرائى. وإنما تحمل قدرا من المفاهيم الحاكمة للنصوص تتسم بالإنسانية، والإدراك لواقع المواطنين.

 


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern