تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية ــ تقريبا ــ يتعاملون مع شبكة الانترنت. أى أن هناك ما يقرب من أربعة مليارات مواطن كوكبي، من أصل 7٫5 مليار مواطن، يتواصلون عبر الكوكب من خلال وسائل الاتصال والتواصل الرقمية المتنوعة. وإلى أن 40 % من هؤلاء المواطنين الرقميين، 3٫8 مليار مواطن، يستخدمون التقنيات المختلفة لشبكة التواصل الاجتماعي.
ويجمع الباحثون فيما وراء الأرقام والإحصائيات على أن البشرية باتت تعيش اليوم زمنا جديدا هو الزمن الرقمي. ويكتسب الزمن الرقمى جدته من أنه ينقل الإنسان إلى قيم وأفكار وسلوكيات جديدة تختلف كليا عن ما سبق من أزمنة. فكل شيء متاح فى التو واللحظة. وبمشاركة إنسانية واسعة. أى أن المرء لم يعد عليه أن ينتظر الغد أو اليوم التالى أو بحسب المثلين العامين الشائعين فى ثقافتنا: الصباح رباح والصبح له عينين، كى يقوم بعمل ما أو ينجز أمرا ما أو ينتظر شخصا بعينه. فكل ما يعن للمرء، فى أى وقت، وأى مكان، ومع أى شخص يمكن أن ينهيه فورا عبر وسائل التواصل الاجتماعى الإلكترونية المتنوعة والمتجددة والتى تصل 12 وسيلة كما يلي: شبكة التواصل الاجتماعى الفيسبوك (2مليار مستخدم شهريا)، وتقنية اليوتيوب (2مليار زيارة شهرية ويتم تحميل ما يساوى 300ساعة من الفيديوهات كل دقيقة). وتطبيق المراسلة الفورية والتواصل المباشر الواتس آب (مليار مستخدم نشط كل شهر). وتقنية المشاركة البصرية الانستجرام (مليار مستخدم نشط شهريا). ومحرك جوجل للبحث (نصف مليار ـ مستخدم نشط شهريا). وتطبيق البنترست للبحث عن المعلومات (200 مليون مستخدم شهريا). وتقنية الرسائل النصية الموجزة سريعة الانتشار التويتر (مليار ونصف مليار مستخدم مسجل لاستخدامه). والتطبيق متعدد الوسائط السناب شات يقترب من (النصف مليار مستخدم نشط شهريا). وموقع المناقشة رديت (300 مليون مستخدم نشط شهريا). وشبكة لينكد إن (ربع مليار مستخدم نشط شهريا). وموقع التدوين الإلكترونى تمبلر (يحمل ما يقرب من نصف مليار مدونة وينشر ما يقرب من 10 ملايين مدونة جديدة شهريا). وتطبيق البث المباشر للمواد المصورة بيرسكوب (يعرض لأكثر من 10ملايين بث حى شهريا)...
وتؤكد الشركات التى تتابع وتقيم أداء التقنيات الرقمية على أمرين هما: أولا التنامى المطرد من قبل مواطنى الكوكب على التفاعل مع هذه التقنيات والحضور الفاعل والإيجابى فى المجال الرقمي. ثانيا: أن فئة الشباب (بين سنى الـ15 والـ30 سنة) هى الكتلة النشطة والأكثر تواصلا مع الزمن الرقمي. حيث تمثل ما يقرب من ال40% من إجمالى مستخدمى التقنيات الرقمية.
ويؤكد الباحثون أن الأرقام السابقة تعنى أن هناك واقعا مجتمعيا جديدا آخذا فى التشكل. وأن هناك كتلة بشرية ــ معتبرة ــ أصبحت تنتمى لهذا المجتمع الجديد: الرقمي. فالمسألة تتجاوز الأرقام فى صورتها المباشرة إلى ما تحمله من دلالات رمزية تؤثر على مستخدميها: فكرا، وسلوكا، وتواصلا... ونرصد أربعة ملامح أساسية تميز المواطن/الإنسان فى الزمن الرقمى بما يلي:
أولا: القدرة المتنامية للإنسان/المواطن على أن يمارس إنسانيته ومواطنيته باستقلالية؛ أو صناعة عالم آخر من لحم ودم، أى لم يعد افتراضيا، يكونه بطريقته ويختار من يرافقه فى حياته اليومية دون محاذير مسبقة. ويستبعد من يريد دون خلافات أو مشاجرات. ينخرط فى كل الأحداث بالطريقة التى يريدها أى بشروطه. وينسحب فى الوقت الذى يقدره..والأهم هو ممارسة الديمقراطية التشاركية أو المواطنة الرقمية.
ثانيا: التحرر، شبه التام، من أى توجيهات مركزية أو أبوية؛ حيث تتبلور قدرة ذاتية لدى المواطن/الإنسان على البحث الحر فى المجال/الفضاء الرقمي. بحث يتسم بالتصحيح الدائم. أى أن ما يحصله المرء من نتائج قد يكون غير صحيح ولكنه قابل للتصويب. كذلك حرية بلورة الأفكار والاتجاهات والمواقف من خلال: التفاعلات الحوارية، والاطلاع المفتوح، والمعرفة المتاحة التى لا حدود لها ومتاحة طول الوقت. ما يعنى فك ارتباط الإنسان بمؤسسات التنشئة التقليدية. ومن ثم انتهاء زمن التنميط.
ثالثا: استحضار الأزمان والأماكن والمواد المعرفية المتنوعة فى أى وقت وفى آن واحد؛ فلقد بات من المتاح أن ينتقل الإنسان/المواطن بين الحاضر إلى الماضى واستحضاره وكذلك استشراف المستقبل بمعطيات علمية دقيقة ويستحضر المحصلة لديه فى طرفة عين.
رابعا: إمكانية الشراكة فى صناعة الكثير من الأمور بعيدا عن المؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية؛ أى الانخراط الإيجابى فى أن يدلى الإنسان/المواطن بدلوه فى الكثير من القضايا والملفات. وأن يصمم وينظم ويشارك فى نشر ونقل ما يراه مفيدا لأكبر مجموعة من البشر.
فى هذا السياق، ينشغل العقل الإنسانى بطرح الكثير من الأسئلة الرئيسية التى تتفرع منها العديد من الأسئلة الفرعية...أسئلة من عينة ماذا عن مستقبل التعليم، والثقافة، والعلم،...،إلخ، فى الزمن الرقمي؟.. ومن ضمن الأسئلة الفرعية البالغة الأهمية: ما مستقبل الصحافة الورقية ودورها فى بناء الثقافة. وهو السؤال الذى طرح أخيرا فى الملتقى الثقافى المصرى - اللبنانى الثانى الذى أقيم بجامعة بيروت العربية بالتعاون مع مؤسسة الأهرام والجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال يوم 17 أكتوبر الماضى... وهو ما سنجيب عنه الأسبوع المقبلة... نتابع..