«الخبير المثقف».. مبدعاً

«الخبير المثقف» هو الكادر الذى يجمع بين العلم والمعرفة والثقافة، بالإضافة إلى المهارة التقنية. ويختلف نوعياً عن «الخبير الموظف»، الذى لا يعرف فى «الدنيا» إلا نطاق مهنته الدقيقة. وقد وصفناهم، مرة، الخبراء الموظفين، عندما تناولنا هذا الحديث فى ورقة مطولة نهاية 2016، بأنهم «خبراء التخصصات الضيقة». وهؤلاء قد يُسيرون ما يُعرف (بدولاب العمل اليومى). ويفتقدون ما يُعرف (بالرؤية الحاكمة) للعمل من حيث: أولا: العلاقة بين الجانب التقنى وأثره على المواطنين. ثانيا: القدرة على الربط بين الخطط الإدارية والرغبات المجتمعية والسياق المجتمعى بأبعاده المختلفة. ثالثا: ضرورة امتلاك حدٍّ أدنى من الثقافة- بمعناها الواسع- التى تمنح «التقانة» نفحة حياة.. ويعد «الخبير الموظف» فى هذا المقام، فى أحسن الظروف، «أسطى شاطر» أو «صنايعى ماهر».

(2)

على النقيض، نجد «الخبير المثقف» يتميز بملامح ثلاثة داعمة «لمهارته التقنية»، وذلك كما يلى: أولا «التكوين المعرفى الواسع». وثانيا «الرؤية الشاملة». وثالثا «إدراك تام بطبيعة المجتمع وتفاعلاته وصراعاته». وأذكر لفورى من الأمثلة العالمية المعاصرة لنموذج «الخبير المثقف» وزير مالية اليونان «يانيس فاروفاكيس»، أحد قادة حركة سيريزا، الذى قاد مفاوضات اقتصادية قاسية مع ألمانيا والاتحاد الأوروبى منذ ثلاثة أعوام. وقد وثق تجربته فى عدة كتب.

(3)

لذا عندما يقوم خبراؤنا المثقفون بتدوين رؤاهم وأفكارهم وخبراتهم، فعلينا الانتباه والاهتمام وقراءة خلاصة معرفتهم الفكرية والعملية. ومن واجبنا عليهم أن نقدم جوهر هذه المدونات التى تؤمّن تواصلا مع اجتهادات الأولين من عينة: إسماعيل صبرى عبدالله، ومحمد محمود إمام، ورشدى سعيد... إلخ، الذين تولوا مناصب مهمة وكانت لديهم رؤى فكرية متميزة، من جهة.. ومن جهة أخرى، تصبح اجتهاداتهم أساسا لمن يأتى بعدهم.. وهو ما يضمن الاستمرارية والتراكم.

(4)

فى هذا السياق، نعرض مجموعة من الكتب المعتبرة والمهمة لأربعة من «الخبراء المثقفين»، تأتى فى وقتها تماما وتشتبك مع الواقع. فهى ليست من نوعية الكتب الفكرية المحلقة بقدر ما أن أصحابها يوظفون الأفكار فى فهم الواقع والسياسات وما ينقصنا لتحقيق الانطلاق. نبدأ بكتاب الأستاذ الدكتور على السلمى: «إعادة بناء الوطن: خارطة الطريق نحو التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية». ثم نعرج لنوعية من الكتابات تكاد تكون نادرة فى منظومتنا المعرفية وتنتمى لـ«الثقافة العلمية» للأستاذ الدكتور إبراهيم فوزى، حيث نعرض كتابين هما: «عبور أليم إلى ميكانيكا الكم»، و«عظماء الكم العشرة: قصة المعاناة والإخفاق والإحباط والنجاح فى مسيرة الإبداع العلمى». ونقدم للدكتور عثمان محمد عثمان كتابيه: «التنمية العادلة: النمو الاقتصادى- توزيع الدخل- مشكلة الفقر»، و«ثورة المصريين بين الاقتصاد والسياسة وطريق التنمية». ونختم هذه الجولة مع كتاب مهم (مترجم) للدكتور محمود محيى الدين: «أوروبا: تاريخ وجيز».

(5)

حيث يقدم لنا «الخبراء المثقفون» الأربعة (السلمى وفوزى وعثمان وعبد الله، مع حفظ الألقاب) مقاربات جديدة وطازجة لمجالات أربعة هى: «الإدارة والعلم والاقتصاد والتاريخ». وأهمية كل مجال، على حدة، فى لحظة التحول التى تشهدها مصر، من جانب. ومن جانب آخر، الربط بين المجالات فى إطار رؤية سياسية جامعة.. نبدأ فى عرض أهم ما ورد فى هذه الكتابات الأسابيع القادمة.

 
 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern